السبت، 14 نوفمبر 2009

يتوكأ على عماه

( يتوكأ على عماه )
للشاعر العراقي عبود الجابري
ـــــــــــــــــــــ



عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، صدرت للشاعر العراقي عبود الجابري مجموعته الشعرية ( يتوكأ على عماه ) ، وهي مجموعته الثانية بعد ( فهرس الأخطاء ) التي صدرت عام 2007 ، وتتكون المجموعة من عشرة نصوص تتلمس فكرة العمل على توليد البنية عبر لملمة المتناثر من الشظايا أو تشظية الفكرة في مبان عدة للنص يقترحها نص ( غيوم ورقية ) :
هل المطر دم الغيمة الجريحة ؟؟
وماذا لو لم يلتئم جرحها ؟؟
هل كانت ستمطر حتى الموت.. ؟

مثلما تتعامل نصوص مثل ( نزلاء) و ( منازل اليد ) و ( كما لو أنها قصيدة حب ) و ( ساعة معطلة ) مع فرضية الوصول إلى شكل آخر للوجود الإنساني المعطل ، والأسئلة الوجودية التي تموت أجوبتها في ثناياها عبر ( لم يمهله طويلا ) و ( أسباب موجبة ) ، كما تغوص ( تخطيطات حجرية ) في ماهية الحجر :

الثقوب..
أحجار مهاجرة من الجدار

******
الرخام
حجر أدركته النعمة فجأة

مثلما يرسم نص ( الأبواب ) صورا شخصية للباب في حالاته المختلفة
ويأتي ( كتاب القمصان ) ، الذي وضع له الشاعر عنوانا فرعيا هو – مرايا شعرية – ليرسم صورا متناثرة لشخوص ومدن تسكن الذاكرة الفردية منسلة إلى تفاصيل أثرها وانعكاساته على الحاضر ، حيث يقول في قميص العراق :
غفرانك
فقد تكاثرت المرايا
واسودت الوجوه

متخذا من القميص ثيمة أساسية لتناسل الصراعات والقصص الذي ألقى بظلاله على الشكل التاريخي لقراءة الحاضر من خلال قمصان لشخوص مثل أبي ذر الغفاري ، امرؤ ألقيس ، مانديلا ، بغداد ، فلسطين ، الحلاج ، المتنبي ، العراق ، المعري وآخرين .....

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

شاعر عراقي لايؤمن بتباكي الشعر على الوطن / جريدة الراي الأردنية

شاعر عراقي لا يؤمن بتباكي النص على الوطن



حاروه- إبراهيم السواعير- يصدر أواخر هذا الشهر، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ديوان يتوكأ على عماه للعراقي عبود الجابري، وهو الديوان الثاني بعد فهرس الأخطاء الصادر عام ألفين وسبعة عن دار أزمنة؛ وعلى هامش تواجده في الأيام الثقافية العراقية بعمان، كان للرأي مع الجابري هذا اللقاء: شاهدناك ونفر من الشعراء العراقيين تتداولون الغربة ملمحا عاما في أمسيتكم الأخيرة؛ كيف ترى الحنين محرضا على المزيد من النتاج- مهما كانت درجة إبداعه؟! الحنين صفة لازمت العراقيين منذ أن وجدوا، وبالتحديد التغني بمسقط الرأس؛ وتحضرني أسطورة تداولها آباؤنا تشير إلى أن عراقيين هجروا مخافة أن يدركهم الفيضان، وكانت المسافة بين بيتهم الجديد والنهر خمسة عشر كيلو، ولما استقر بهم المقام صاروا يقسمون بغربته! وأنا أقول إن الحنين العراقي يختلف عن تفاصيل الحنين في أي أدب؛ فهو لا يتناول الوطن مغتصبا بل يتحدث عنه هجرة قسرية، وأذكر في هذا السياق الأغنية الفرنسية حرية مشروطة، ومفادها أن العصفور كان يرجو صائده أن يمد في الخيط إن لم يطلق سراحه؛ وأعتقد أن الخيط الأطول الذي يريده العراقيون أو يحبوا أن يمنحوه يدخل فيه أن العودة محتومة؛ لذلك فإنك واجد الأديب أو الفنان العراقي مولعا بصنع الجمال بوصفه معادلا موضوعيا لكثير من تفاصيل البشاعة التي رأوها أو سمعوا بها أمس أو اليوم.
مهما كثرت المرأة لديك، أعني في شعرك، إلا أن انزياحا أو ميلا باتجاه الوطن ؟! أعيب على نفسي أحيانا أن كثيرا من التفاصيل الحميمية في الكتابة عن المرأة تغيب عني قسرا؛ ربما بطريقة غير واعية أحيد بالنص عما هو موجه إليه، إلى تفاصيل لها علاقة بالوطن؛ ولذلك فإن محاولاتي كتابة الغزل الخالص سرعان ما تستحيل قصائد وطنية على غير شعور مني.
* نبقى في الوطن ما السبيل إليه نصا في هذا السيل الطامي من الكتابات؟!
أنا من غير المؤمنين بفكرة التباكي على الوطن؛ سواء كان ذلك في النص الأدبي أو الحوار؛ انطلاقا أن ما قد حصل حصل، وما على المثقف اليوم إلا أن يقوم بتجميل صورة الوطن في عيون الآخرين؛ فبغداد تخضع لاحتلال شئنا أم أبينا، لكنها ما تزال عامرة بأهلها، فلا مجال ليقوم الأدب بالتحريض، فلم تعد سيوف يمكن أن تقارع، ولكني أعتقد أن عليه أن يحيي ما هو موجود في الوطن من جمال، ودعني أقل إنني لم أحس بغربة في الأردن، صحيح أنني أحس بفقدان العراق، فقدان تفاصيل معينة: قسم لي وآخر له علاقة بالجغرافيا، لذلك أعالج كل ذلك بالجمال محرضا على تذوق النص، ومن نافلة القول إنني لا أؤمن بالمباشرة النصية أو النص المتباكي على الوطن.
* لك مرجعية دينية يربطها من يعرف مسقط رأسك بالنجف؛ كيف تتعامل مع المرجعية اللغوية في القرآن؟!
نعم! في كل شارع في النجف يمكنك أن تتعثر برجل دين، فالاهتمام على أعلى مستوياته بالدين في تفاصيل الحياة اليومية هناك في اللغة أو الفقه أو الشعائر، وأذكر أن نزارا قال إن شوارع النجف تلد في كل ساعة خمسين شاعرا، وفيما يخص اتكائي على لغة القرآن فإنه يجيء أحيانا على غير هدي مني؛ فعدا تعلمي القرآن كانت صور نهج البلاغة تغريني بمزيد من الكشف والإعجاب، ولعلك لا تعجب إن قلت لك إن من المستغرب ألا تجد شاعرا أو متحدثا بالشعر في النجف، ولكني مع كل ذلك أحترم، ولا أؤمن بالاستخدام المشوه للغة القرآن في الاستعارة أو التشبيه؛ فأبرز النص على حساب الكتاب الكريم.
* كيف ترى الحراك الثقافي العراقي العراقي أو الأردني العراقي في عمان؟!
أراه سلاحا بحدين، فمنذ عام 1993 فترة وجودي في عمان فإن مثقفين أو أشباه مثقفين كانوا يظهرون ويغيبون، وهم للأسف آذوا الأدب أو الفن العراقي؛ مع أن مثقفين وفنانين على مستوى الشعر والقصة والرواية والفن بعمومه خلقوا حراكا ثقافيا مشتركا، وقد كانت الفترة ما بين 1992 حتى ألفين فترة زاخرة بكل ذلك، وأستطيع القول إن صالات عرض فنية وأمسيات احتضنتها عمان وأثبتت جدارة. أقول إن عمان احتضنتني منذ الأسبوع الأول الذي قدمت إليها فيه، ولم يكن في حقيبتي غير نصوص وقميص، وقد احتضنتني المدينة، فكتبت في صوت الشعب وساعدني الشاعر إبراهيم نصر الله ولم يرفض لي نصا في الملاحق الثقافية أو المجلات العمانية.
تقرر أن تكون النجف عاصمة للثقافة الإسلامية ألفين واثنتي عشر، وتقرر، أيضا، أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية ألفين وثلاثة عشر! ماذا يبعث ذلك في نفسك من رضا أو أمنيات؟! التفاتة جميلة أن يقر كل ذلك؛ فيكفي النجف مرجعياتها وحوزتها العلمية وما تتوافر عليه من قيمة ثقافية كبيرة، ويكفي أن تنجب النجف أعلاما في مجالاتهم من مثل الجواهري وأحمد الصافي النجفي وكثيرون.
يحمل الجابري شهادة جامعية في التمريض، وهو من مواليد العراق 1963، وعضو اتحاد الكتاب العراقيين، والكتاب العرب، وصدر له، أيضا، أراجيز الوحشة.

الأحد، 1 نوفمبر 2009

جاي باريني - لماذا نهتم بالشعر ؟؟؟

لماذا نهتمّ بالشعر؟
___________________________________
جاي باريني
ترجمة : عبود الجابري

- الشعر لم يعد يعني غالبية الناس، فهم يمارسون أعمالهم المعتادة وقلّما يلجأ أحدهم إلى شكسبير، وردزورث، أو فروست. حتى إن المرء ليندهش إن رأى للشعر أي مكان في القرن الحادي والعشرين في ظل تنافس الفضائيات والتلفزيون وأشرطة الفيديو من أجل قمع القصائد.. تلك القصائد التي تتطلب قدراً وافراً من التركيز، وقدراً أوفر من مهارات التحليل، إضافة إلى بعض المعلومات حول تقاليد الشعر.
في القرن التاسع عشر كان الشعراء أمثال سكوت، بايرون، ولونجفيلو، يملكون جمهوراً واسعاً حول العالم، وكانت أعمالهم تحقق مبيعات هائلة، وكانوا رموزاً ثقافية كذلك.
غير أن القّراء في ذلك الوقت كانوا يملكون القليل من الخيارات، وإذا افترضنا -وإن بشكل وهمي- أنّ الناس في الواقع يهتمون بالشعر.. فذلك لأنه يزودهم بالحكايات الموحية والمبتكرة، ويعطيهم الكلمات التي تحاكي مشاعرهم، كما أنهم يستمتعون بالقصص الشعبي أيضاً.. الموسيقى والشعر متلازمان في الإدراك.
في القرن العشرين.. شيء ما أصبح مفقوداً.. فقد أصبح الشعر أكثر صعوبة.. وتلك هي المسألة.. حيث صارت القصائد تعكس تعقيدات الثقافة الحديثة وتفككها العنيف.
إن قصائد شعراء مثل عزرا باوند، ماريان مور، ووالاس ستيفنس، تتطلب الكثير من القارئ، كالمراجع الثقافية والنصوص التي تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، التي لم تعد معروفة بشكل واسع، وعلى سبيل المثال فإنك حين ترغب بقراءة باوند بسهولة، فستلزمك بعض المعلومات عن الشعر اللاتيني والإغريقي.
ذلك النوع من التعلم كان شائعاً بشكل مطلق بين القراء المتعلمين في الماضي، عندما كان الأدب الكلاسيكي حجر الزاوية في ثقافة الطبقتين الراقية والوسطى، ولا ينطبق ذلك على قراء القرن العشرين أو قراء اليوم، حيث أصبحت الثقافة أكثر انفتاحاً، وباتت دراسة الأدب الكلاسيكي محصورة ضمن فئة قليلة من المهتمين... بينما صارت نصوص شعراء الحداثة المعروفين تتطلب الكثير من الهوامش.
مع ذلك.. فإن الشعر يستطيع أن يؤثر في حياة القارئ..، لقد جربت ذلك شخصياً، حيث قرأت وكتبت الشعر لأربعة عقود على الأقل..، كل صباح أبدأ يومي بقراءة كتاب شعري وقت الفطور..، أقرأ قصيدة.. ربما قصيدتين، وأتأمل ما قرأت..، غالباً ما أدون ملاحظات حول ما قرأت في دفتر اليوميات.
قراءة الشعر تعيد تشكيل يومي وتزيد خطواتي توهجاً.. وتمنحني ظلال أحاسيسٍ لم تكن موجودة لديّ سابقاً. أتذكر الأبيات، العبارات التي تطفو على ذاكرتي طوال اليوم.. نتف من الأغاني إن جاز لي القول.
أعتقد وبشكل جازم أن حياتي كانت ستصبح هزيلةً من دون الشعر، موسيقاه ، وحكمته العميقة.
إن من الشعر لحكمة.... ، قبل وقت قصير كنت في المغرب، وحدثني رجل تقي من المسلمين أن النبي محمد قال ذلك في حديثٍ نبوي، وتحدث القرآن عن الشعراء مبيناً أخطارهم..
هذا يذكّرني بأفلاطون الذي أراد أن يحرم جميع الشعراء من جمهوريته الفاضلة، لأنهم كما كان يظن.. كاذبون.. الحقيقة كانت متينة عند أفلاطون، فهي عالم متكامل من الأفكار، والعالم المادي يمثل تلك الصورة المثالية، فهو عالم ناقص على الدوام.
كذلك كان التصوير الفني للطبيعة، في مراحل المثالية المتعددة، لا يحتمل أي تشكيك.
غير أن أفلاطون كانت لديه تحفظات أخرى حول الشعراء في الجمهورية، حيث رأى أنهم ينتزعون تعاطف القراء بطرق لا جدوى منها: إنهم يخلطون أحاسيس الرغبة والغضب والأحاسيس الأخرى، الرغبة والألم والمتعة، الشعر يغذي الأهواء ويرويها بدلا من تجفيفها .
بينما التراتيل ومدح الرجال العظماء هي فقط ما على القراء أن يفعلوه.. فذلك أمر حسن وفق القانون وأسبابه الموجبة ، يقول أفلاطون، الذي لم يوغل نهائياً في الشعر من الناحية الفنية، وإنما اكتفى بلصق الشبهات على المهن.. ولم يفرد للشعر مكاناً في عالمه.
حتى شعراء الفترة الرومانسية المعروفون (بايرون، كوليردج، كيتس، شيلي، وردزورث)، كانوا يعيشون على هامش الحركة الاجتماعية، ولم يحظوا بالتبجيل الى حد كبير. وحديثاً فإن علما مثل ألين غينسبرج كان يسخر من بلدانهم، وقد كان الشعر لديهم نزوعاً نحو التمرد، ولم يكونوا ضيوفاً مرحَّباً بهم على موائد المجتمع.
منذ عهدٍ بعيد كان المعلمون والأساتذة يعدّون الشعر جزءاً أساسياً من المنهج الدراسي، وكان الشعر يحتل موقع الصدارة في دروس الثقافة في قاعات التدريس، وكان الشعراء يرتعون في رياض القرى الأكاديمية في الجامعات.
وكان فروست أول الشعراء الذين لقوا ترحيباً عظيماً في الحرم الجامعي، فقد مارس التدريس فترة طويلة من حياته في كلية أمهرست وأماكن أخرى.. وأمضى العقود الخيرة من حياته سائحاً في البلاد، محاضراً او قارئاً لجمهوره العريض، مؤمناً بشدة بأهمية الشعر كمعنى لتغيير العقل.
في التثقيف بواسطة الشعر ، إحدى أروع مقالاته، يناقش فروست. كيف يكون عمل الشعر أساسياً في تطوير الذكاء، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين رأى أنك إن لم تكن في البيت (الكناية)، فلست بمأمنٍ في أي مكان آخر، ولن تكون مطمئناً بوجود القيم الرمزية ، لأنك لا تعرف إلى أي مدى ستحملك، ومتى ستتحطم . تلك كانت مزاعم كبيرة جداً، وهكذا هم الشعراء، يخلقون المزاعم الكبيرة، ولديهم دائماً قليل من المبالغات.
في الدفاع عن الشعر، يقول شلي : الشعراء هم مشرعو العالم المغيبون ، في صياغة جديدة لعبارة الشاعر جورج أوبين الذي قال: الشعراء هم مشرعو العالم المغيّب .
شخصياً لا أرغب أن يقوم الشعراء بوضع قوانين العالم وأعرافه، لأنهم على أبعد تقدير سيسيئون التصرف في الشؤون العامة، عالم الشعر - إلى حد كبير - عالم غامض من الفكر والأحاسيس، حيث نعيش حياتنا الواقعية، والشعر مهمته أن يسند تلك المملكة الداخلية.
في حديث في جامعة برنستون في العام 1942، وعندما كان العالم ملتهباً، بيّن ستيفنس أن القرن العشرين أصبح أكثر عنفاً جسدياً وروحياً، وبطريقة بليغة عّرف الشعر على أنه العنف الداخلي الذي يحمينا من العنف الخارجي، إنّه الخيال الذي يقاوم قسوة الواقع، ويبدو في المحصلة أننا بحاجة إلى وسيلة لحماية ذواتنا، ودون شّك فإن ذلك هو سبب صياغة الشعر وصدى كلماته التي تعيننا أن نعيش حياتنا .
قسوة الواقع.. تزداد شراسة، ومع ذلك يستمر الشعر بتزويدنا بإمكانيات استيعاب تلك القسوة، من خلال مقاومة القوى الخارجية التي تريد أن تغمر الإنسان وتطمسه. الشعر يمنح العالم صوتاً بطرقٍ كانت مجهولة سابقاً، نحن نصغي للسكون، وصوت الشعر الخافت عند قراءة القصيدة هو ذلك الصوت الذي يقف بضراوة نقيضاً لكل ضجيج المجتمعات أو بشكل أو بآخر ضد أصوات انفجارها.
عادة ما أقوم بتعريف الشعر لطلابي على أنه اللغة التي تلائم خبراتنا، خبراتنا الكاملة، مع النظر في الحسبان إلى الوديان العميقة، القمم، والسهول الفسيحة . إنه يعطي الصوت للأفكار الخافتة، كما قال الشاعر الاسكتلندي الموهوب (الأستير ريد): المرء لا يأمل أن يقوم الشعر بتغيير العالم ، وقد كتب أودن في رثاء ييتس : الشعر لم يفعل شيئاً على الإطلاق .
إلى ذلك الحد.. أجل.. فلم يغير من اقتصاد السوق، ولم يقنع الطغاة بالعدل، كذلك فإنه لم يستطع تحريض الطبقات الدنيا على النزول إلى الشوارع احتجاجا على حرب أو التماساً للعدالة الاقتصادية. إنه يعمل بطريقة أكثر هدوءاً، معيداً تشكيل الفراغ الداخلي لدى القارئ، ويضيف قدراً من الرقة على أفكاره، ويبالغ في تعقيد العالم بين يديه.
اللغة تقوم بتعريفنا ككائنات بشرية. نحن نتكلم.. لذلك نحن موجودون ، لدينا الإمكانية المذهلة للتفاهم بالكلمات، لتكوين الجمل والأوامر، للتعبير عن مشاعرنا، لبدء المناقشات والخروج بالاستنتاجات.
أهمية اللغة الشعرية تكمن في دقتها ومتانتها، وقدرتها على تقريبنا من العالم المادي.
يكتب ايمرسون أن الطبيعة الشفافة للكلمات تدلنا على الاتجاه الذي يدعى روحنا ، واضعاً نصب عينيه ثلاث قواعد ثمينة:.
- الكلمات إشارات لحقائق الطبيعة.
- تفاصيل حقائق الطبيعة، رموز لتفاصيل حقائق الروح.
- الطبيعة هي رمز الروح.
هذه العبارات تشكل برنامجاً للأساليب التي يمكن اعتمادها في الحركة الاستثنائية التي درست الطبيعة وفقاً لرموز الحياة الروحية، وهي مبادئ تستحق التفكير.
في بعض المستويات، تطرح الكلمات حقائق طبيعية (صخرة، نهر، طير، غيمة...)، يكون الإعجاز عند وضعها في عالمها الروحي.. وأعتقد أن الإعجاز يكمن في كيفية وضعها، بشكل بعيدٍ عن التقليدية، في مسارها الروحي، في العالم الباطني العميق الغامض الذي يعيش في كلّ منا، بصرف النظر عن دياناتنا أو معتقداتنا.
أفكر ببيت من جيرارد مانلي هوبكنز : آه.. العقل الذي يحتوي الجبال.. والمنحدرات الشاهقة.. .
العقل يحتوي كل تلك المرتفعات.. والفجاج، والقليلون الذين لم يدركوا ذلك يقفون بخشوع عند سلطان رهبة تلك التضاريس.. تلك هي المملكة الروحية التي يمكن للمرء أن يوجهها في أي اتجاه، الطبيعة أصبحت مؤخراً رمز الروح .
حسب ايمرسون ، الشعر نفسه يجسد تلك الطبيعة. إنه جزء منها، يعكس العالم الباطني، يملؤه بالصور والعبارات، ويثري الأسس في حقيقة حياة الأفراد.
لم أستطع العيش بعيداً عن الشعر، الذي وهبني وجوداً أكثر متانة، أكثر عمقا، وشكل تفكيري، ومنحني روحاً مفعمة بالأمل.. منحني سبلاً للبقاء حيّاً.. ، تلك هي عبارات د.جونسون أرددها من باب التلذّذ.


- * شاعر وناقد أمريكي

كي ريان - شاعرة امريكا المكللة بالفخر

كي ريان .. شاعرة امريكا المكللة بالفخر
____________________________
اعداد وترجمة : عبود الجابري


رغم انها تطلق على نفسها ( المكللة بالفخر ) فأن كي ريان كانت تقوم بتحميص شريحة الخبز لابن اخيها عندما تلقت الأخبار عن موعد الأعلان عن تكريمها
بلقب امير الشعراء في الولايات المتحة الأميركية . بعد ذلك توجب على الشاعرة ذات الاثنين وستين عاما ومدرسة اللغة انجليزية في ( فير فاكس ) أن تعتاد على المسير بخطى متزنة . ( دائما اقوم بقتل الكسل والشرود بركوب الدراجة الهوائية وطهي الطعام ) تقول ذلك وهي تدهن رغيف الخبز بالزبدة ( ذلك يقلب الحياة اليومية راسا على عقب ).الاختزال والبلاغة – مضافا اليهما تدبير الحياة اليومية – هي مفاتيح شعر ريان التي حازت القابا عديدة كان اخرها الجائزة الكبرى في الشعر لعام 2004 وجائزة روث ليلي للشعر التي تبلغ قيمتها مليون دولار.
كي ريان صوت عصري مميز واصيل وغني يتنوع اساليبه الشعرية ) يقول ذلك جيمس بيلنجتون امين مكتبة الكونجرس عشية اختيارها للقب امير شعراء امريكا خلفا للشاعر شارلز سيميك .
ذلك اللقب ترتبت عليه واجبات عديدة اولها قيامها بافتتاح سلسلة نشاطات مكتبة الكونجرس بقراءات شعرية من اعمالها المختلفة . محتفلة بشرف انضمامها الى قافلة الشعراء الذين نالوا اللقب سابقا امثال روبرت فروست ، لويس بوكان ، ويليام كارلوس وتشارلز سيميك .
اخر اعمالها كان مجموعة شعرية بعنوان ( نهر نياغارا ) عام 2006 وهي السادسة ضمن اعمالها وقد تناولها النقاد بالاطراء والتبجيل. ويمتاز شعرهابمحاولة النفاذ الى جوهر الاشياء الكبيرة من خلال احتفائها بالاشياء الصغيرة الواضحة فهي تكتب عن مقابض الابواب والعلاج بالابر الصينية.
ولدت ريان عام 1945 في سان جوس وترعرعت في مدينة صغيرة في سان جوكوين حين كان والدها يعمل في مجال التنقيب عن البترول _ كنت اتمنى ان اعمل شيئا يتضمن سيارة نقل وحبال تحميل _ تقول ريان ، وقد وجدت في قراءاتها الكثير من الشعر المغلف بغموض لم يرق لذائقتها _ لاأحب الوقفة المتكلفة والاعتداد العالي بالذات مثلما لا احب التخفي _ تقول ريان ضاحكة .
وعندما صرت في الثلاثين ادركت انني لا استطيع النخلي عن الشاعر الذي صرته _ وبعد رحلة شهيرة حول البلاد على دراجة هوائية انصب تركيزها على كتابة الشعر و العمل في تدريس اللغة الانجليزية في كلية مارتن كنتفيلد .
لا تكتب ريان بالطريقة التقليدية التي يكتب بهاالآخرون، فهي الوحيدة من بين الشعراء تذكرني باميلي ديكنسون _ يقول ذلك دان غيويا _ الناقد والشاعر الاميركي الشهير ، فكلاهما يكتب القصيدة القصيرة جدا ، القصيدة التي تختزل الكلام ويتسع فيها المعنى ، القصيدة ذات الكثافة ، القصيدة المعبرة عن الحكمة .
لذلك تم اختيار احدى قصائدها ( كيف تغني الطيور )؟ لتزين واجهة المتنزه الرئيسي في مدينة نيويورك ( انها هناك على الجدار الاستنادي الذي يتراكض عليه الاطفال صعودا ونزولا ) تقول ريان.
لم تقرر ريان بعد ماهو مشروعها القادم كاميرة للشعراء ، فهي تحمل افكارا محددة وواضحة عن وظيفة الشعر ، ( على الشعر ان يمنح الاخرين شعورا اكبر بالتحرر ، ويخلصهم من الأوزار ؛ وأتخيل الشعر الجيد يرفع من نسبة الأوكسجين في الهواء ، القصائد فقط تجعل التنفس اكثر سهولة .)










دمو ع التماسيح
______________

التمساح المخلص الوحيد
جفت مآقيه منذ سنوات
فلماذا نكترث لدموع التماسيح..؟

الافكار العظيمة
____________

الأفكار العظيمة
لاتطعم الأفكار الصغيرة
كما يفعل الآباء بأبنائهم
كما شجرة اليوكالبتوس
يسقط منها الورق الميت
والبقايا العقيمة
لذلك يبدو الوقوف
في بستانها دون حراك
امرا مهينا

التاج
_________

المطر الغزير
يجعل الأشجار تهوي
على الجانب الآخر من التلال
تجثو اشجار البلوط العملاقة على الركبتين
لك أن تلمس اعضاءها
وليس لك سلطة في ذلك
وحدها العصافير
تملك حق الطيران الى كل ماهو رفيع الشأن


ثنائيات
________

من ، من يراقب الأجنحة
فأنه يسنطيع أن يستخلص
كيف يتأتى للطيور
أن تقطع المسافات بذلك
الألتصاق الهزيل للأجنحة
، بطريقتها في الأنحناء الى الخلف
، وطريقتها المضحكة في الوقوف
ومن راقب اسراب الطيور على الرمال
سيعتقد انها شويكات صغيرة
نثرتها الرياح
الكثير من الثنائيات تبدو قبيحة
فهل هناك من يستطيع أن يحلم بغراب عريض الجناحين
يستطيع أن يعتزل الفضاء
ويمضي مقيد الساقين حول الأرض ..
ناعقا كعادته ..؟


تكـــــرار
________

حاول أن تسلك الطريق ذاتها
الى المتجر ذاته
مستخدما
حبل التوازن المعلق في الأعلى
ستجد أن كل خطوة لا تشبه الأخرى
المخاطر متباينة على السطوح
يتعثر المرء وحيدا
ولاشيء يحدث
قلة من لديهم الرغبة
واقل منهم الأبطال

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر - جون برادلي

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر
______________________________
جون برادلي
ترجمة عبود الجابري




( ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي ).. بهذه العبارة اعتقدت لورا بوش أنها أغلقت الباب

وللأبد على الشعر السياسي .. فهل أفلحت..؟
السيدة الأولى كانت قد خططت لعقد حلقة دراسية تحت عنوان ( حلقة البيت الأبيض الدراسية
حول الشعر الأمريكي ) بتاريخ 12 شباط 2003 وخصصت تلك الحلقة لمناقشة أشعار (اميلي ديكنسون ، والت ويتمان و لانجستون هيوز )، غير أن آلاف الشعراء المناهضين للحرب
قاموا بكتابة آلاف النصوص التي تندد بالحرب الدائرة في العراق وكان من بينهم الشاعر والمحرر ( سام هامل ) الذي قام بتسليم النصوص الشعرية تلك إلى السيدة الأولى مما تسبب
بإلغاء تلك الحلقة .. وكان ذلك سببا لحشد المئات من المناوئين للحرب من عموم البلاد ،
وطباعة القصائد في موسوعات شعرية ، ولو تجاهلنا اثر الخلاف الذي خلفته فرضية السيدة
بوش في ( أن لامكان للسياسة في الشعر ) فإنها ربما ستتمنى لاحقا لو أنها لم تقم بإلغاء
الحلقة الدراسية . راودتني هذه الفكرة إبان معايشتي للحرب على فيتنام، تلك الحرب غير المبررة ، تسببت بأمواج من الاضطرابات المدنية التي أغنت كثيرا من التجارب في مختلف الفنون ولا سيما الشعر الذي شهد ازدهارا واضحا بعدما كان الكلام السياسي حينذاك يتركز على مواضيع محددة مثل التمييز العرقي والجنسوية ومواضيع البيئة، و من خلال قراءتنا لقصائد الشعراء ألين جنسبرغ ، أدريان ريتش ، غاري سنا يدر ودنيس ليفر توف نتعرف على عدد قليل من شعراء تلك الحقبة ممن أبدعوا أعمالا رائدة في هذا الجانب . فنحن في أمريكا نغير اهاب التاريخ كما تغير الأفعى جلدها مرددين التساؤلات ذاتها عن براءة أمريكا
، وها نحن بسذاجة تامة نعيد طرح التساؤلات ذاتها . أودّ هنا أن انقش مشهد الشعر السياسي وانعكاساته على أفكار العديد من الأمريكيين ، وقبل أن أقوم بذلك أود أن اقر بالفضل ل ( لورا بوش ) لقيامها بإلغاء الحلقة الدراسيـــــة عن الشعر الأمريكي .
الشعر في أمريكا يعيش حياة هامشية وهو يحتاج دائما إلى ما يتيسر من التأييد ، غير أن
المدهش هو التساؤل – هل يحتاج الشعر إلى تأييد من هذا النوع ؟؟- ، هل على الشعر
الأمريكي أن يروّج كشعر سياسي ؟؟ ويمكننا صياغة السؤال كمايلي ( هل على الشعر
الأمريكي أن يخصى سياسيا ..؟؟ ).وإذا ما عدنا لقراءة الشعراء الثلاثة الذين اختارتهم لورا بوش لهذا التكريم فسنجد بكل تأكيد أن كلا منهم يمتلك صوته الخاص المميز ، غير أننا لن نستطيع أن نقوم بتكريـــم أي مبدع أصيل بمعزل عن إبداعه . ولنبدأ باميلي ديكنسون:
يمكن تصنيف اميلي ديكنسون كشاعرة سياسية عند الحديث عن عزلتها الاختيارية ، حيث
لم تكن تغادر منزلها إلا نادرا ، وهناك الكثير من الروايات حول قيامها بمحادثة الزائريــن
عبر شاشة مخصصة لذلك ،ولكن هل تعني العزلة شعرا سياسيا ..؟؟
ثمة قصيدة قصيرة لديكنسون تدهشني دائما :
الأيمان اختراع عظيم
لو كان لدى الناس بصيرة
غير أنّ المجهر
أكثر حكمة عند الضرورة
اميلي ديكنسون تكتب عن المجهر عام 1860 م ؟؟ ذلك احد الأسباب التي جعلتني اطرب
لهذه القصيدة ، ولم يكن ذلك سببا وحيدا لإعجابي بها ، فجرأتها أثناء المناقشات في التعليق
على العلاقة بين الإيمان والعلم ما تزال قائمة كما لو أنها كتبت هذا الأسبوع ، كيف إذن يمكن
لهذه القصيدة أن لاتكون سياسية ؟؟ ولماذا لم تكن تعبر عن أفكارها إلاّ من خلال هذا الموضوع؟؟ اميلي ديكنسون لها باستمرار ريادة الكشف عن موضوع الإيمان من خلال
شعرها ، ومن البديهي أن لا نقرأ هذا النوع من الشعر قراءة سياسية على الرغم من إنّ بعض قصائدها تستثير الإعجاب في الوقت الحاضر ، ويجب أن تقرأ بعيدا عن المناهج
الدراسيــــة .ولكن في قصيدة قصيرة مباشرة جدا ، يبدو عسيرا تجاوز البعد السياسي في قصائد ديكنسون، واعني بالسياسي ذلك الشعر الذي يطرح بشكل مباشر او غير مباشر موضوعا اجتماعيا ، الشعر الذي يفترض أنّ حياة الأفراد ليست بمعزل عن حياة الآخرين ، الشعر السياسي برأيي يعني أن تكون تجارب الأفراد غير منفصلة عن تجارب المجتمع ، ومؤكد أنّ قصيدة ديكنسون قد كشفت عن ذلك ، وان خبرتها في استعمال المجهر في المدرسة قد زودتها بتلك الاستعارة لتكوين نظرتها الشمولية للأشياء ، وان كانت قد أمضت القسط الأكبر من حياتها في ( امهر ست ماساشوستس ) ، فأن ذلك لايعني قطيعة أبدية مع عصرها أو إنها لم تكن تملك ما تقول بشأنه، وهل كانت تجهل التأثير الجمالي لحظر السياسة في الشعر؟؟؟
دعونا نمضي إلى الشاعر الثاني في الحلقة الدراسية، ، إذا أردت أن تقرا شعرا رصينا عن
الحرب فدونك ( والت ويتمان ) ، عليك بمقارنة بواكير شعره التي تمجد البطولة في ( أوراق
العشب ) بتلك التي كتبها ابان عمله مسعفا في الحرب الأهلية، شخصيا أميل إلى قراءة
ديوان ( النفير) ، مقتطفات تبدو كأنها هذيانات محموم :

الوجوه ، الأغاني والمشاهد التي تفوق الوصف
غموض يلف المكان
وبعضهم يموت
الجراحون يعملون
والخدم بحملون المصابيح
رائحة الايثر والدم المتعفن
الضجيج، وزحام الأردية الملطخة بالدماء
الساحة المحاذية تمتليء
وثمة من هم في العراء
بعضهم على الألواح الخشبية أو على النقالات
وآخرون يتصببون عرقا
من تشنجات النزع الأخير
ينشجون ، يبكون أحيانا
الأطباء يطلقون نداءات الأمر والاستغاثة
والأدوات المعدنية الصقيلة
تخطف ضوء المصابيح

معبرة بضراوة ، ليست سياسية؟؟ تخيلوا لو أنها قرأت في قاعات الدراسة ، المكتبات العامة
الكنائس ، خلال الحرب الدائرة الآن ، لكانت أو في في صدارة الأعمال التي ترسم المشهد في العراق ، ماذا قدمت الحرب لمن قاتلوا فيها ومن سقطوا في براثنها دون أي تغيير يذكر منذ عصر ويتمان ؟؟ وهو ( ويتمان ) وان لم يعلن إدانته للحرب علانية هنا ، فان رؤيتـــه الشعرية تجردها من الشرعية ، لئن كانت هذه القصيدة غير سياسية ، أو ليست هي أمريكية ؟
الشاعر الأخير الذي اختارته السيدة بوش في الحلقة الدراسية كان أكثر المتضررين من
مواقفه السياسية، ( لانجستون هيوز ) الذي وصل إلى منصب مدير مؤسسة نشاطات
غير الأمريكيين إبان الحقبة المكارثية ، واعترف أنّ هذا المنصب لوحده لن يجعل من
الشخص شاعرا سياسيا !!! ، وهو الشاعر الذي كتب :
يبدو الآن
أنّ على الناس أن يعلموا
انه من العسير أن اصفع هتلر
لأحمي جون كرو

وهو من قال :

اجل
أقولها بوضوح
أمريكا لم تكن أمريكا بالنسبة لي
ومازلت اكرر القسم
أمريكا ستكون بذرة خالدة
إنها حلم
يسكن أعماق قلبي
وعلينا –نحن البشر –
أن نخلص أرضنا
_ الأفكار ،
النباتات،
الأنهار،
الجبال،
السهول الفسيحة
، وامتداد الولايات الخضر
لنعيد تكوين أمريكا ثانية

بينما نلحظ كثيرا من أسلوب ( ويتمان ) في هذه القصيدة ، فأن هيوز يؤسس صوته الخاص
ويرسخ ثراء الثقافة الافرو- أمريكية من خلال الثناء على القارة الأمريكية والحلم الأمريكي
الموعود ، فهو يقول بكل جرأة :
أمريكا لم تعد أمريكا بالنسبة لي
وانه مازال يحلم بما يجب ان تكون عليه أمريكا ، لو أنّها لم تنكث وعودها لجميع مواطنيها.
الم يكن رائعا لو اتيحت الفرصة لدراسة إبداع هؤلاء الشعراء في حلقة السيدة بوش ؟؟؟
على الأقل للتحقق من المذهب الذي يفترض أن ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي،،
وحقيقة كنت سأنفق بسخاء لشراء تذكرة لحضور المناسبة .


** عن مجلة بميكان الثقافية الالكترونية / العدد 33 / ربيع 2007

جون برادلي
كاتب وناقد أمريكي يعمل في جامعة الينوى حيث يعيش وهو من مناهضي الحرب على العراق.
له كتابان في النقد الأدبي هما:
- الموسيقى الأرضية
- حرب على الكلمات

تشارلز سيميك - ثلاث قصائد

ثلاث قصائد لتشارلز سيميك


ترجمة: عبود الجابري

عيون مثبتة بالدبابيس

كيف يعمل الموت..؟
لا أحد يعلم
في اي يوم طويل سيحط رحاله
الزوجة الوحيدة دائماً
تكوي غسيل الموت
البنات الجميلات
يقمن بأعداد طاولة عشاء الموت
الجيران يلعبون الورق في الفناء الخلفي
أو يكتفون بالجلوس
على العتبات
يحتسون البيرة
وفي غضون ذلك
وفي جزءٍ غريب من المدينة
يبحث الموت عن أحدً
يسعل بشكلٍ رديءٍ
غير أن العنوان مضلّلٌ نوعاً ما
وحتى الموت لم يستطيع الإهتداء اليه
بين تلك الأبواب المقفلة جميعها
... وحيث يشرع المطر بالهطول
في ليلةٍ عاصفة...
هكذا
يموتُ بدون حتى جريدة تغطي رأسه
ودونما قطعة نقدية تمكنه بالأتصّال بمن يغيثه...
متثاقلا يتعرى على مهله...
ويوثق عاريا
الى جهة الموت في السرير...

ضـــد الشتـــاء
الحقيقة داكنة تحت جفنيك...!
فماذا ستفعل بشانها...
الطيور صامتةَُ
وما من أحد تسأُله...
ستمضي طيلة النهار محدّقا بالسماء الرمادية...
وحين تعولُ الريح
سترتجف مثل قشة
وسينمو لك صوف
مثل حملٍ ذليل
منتظرا أن يطاردوك بمجزاتهم الهائلة
الذباب يحوم حول فمٍ مفتوحٍ
وما يلبث أن يهوي
كما الأوراق...
تتبعها الأغصان العارية
بغير جدوى
الشتاءُ.. يحلّ.
مثل بطلٍ أسطوري في جيش مهزوم
بينما تظلّ في مكانك
كاشفا رأسك لنديف الثلج الأول
لحين وصول جارك
الذي يصرخ بك...
أنت أكثر جنوناً من الطقس .. يا شارلي
كتابٌ مليء بالصور
أبي الذي درس " اللاهوت " بالمراسلة
يستعدُ للإمتحان..
وأمي واجمة..
هادئاً جلستُ مع كتاب مليء بالصور
وحين هبط الليل
كانت يداي الباردتان
تلامسان وجوه الراحلين
ملوكا.. وملكات
.. ثمة معطف أسود
يتدلى من سقف غرف النوم العلوية..
ترى.. من وضعه هنالك..؟
الصلبان السريعة
التي خاطتها أمي بمجرزها الطويل
كانت سوداء
كتجاويف رأسي
الصفحات التي قلبتها..
أصدرت صوتاً كحفيف الأجنحة..
الروح طائر.. قالها ذات مرةٍ
في كتابي المليء بالصور
هدير معركة ..
رماح وسيوف تشتبك مثل غابة شتائيةً
بينما قلبي يتشظىّ وينزف
على أغصانها.
............
تشــارلــز سيميــك
- ولد تشارلز سيميك في التاسع من أيار 1938 في بلغراد – يوغسلافيا
- في عام 1953 غادر يوغسلافيا مع والدته ملتحقين بوالده في الولايات المتحدة الأمريكية.
- نشر اول اعماله في عام 1959، في عمر الحادية والعشرين ، انخرط بعدها في القوات المسلحة الأمريكية.
- له اكثر من ستين كتابا تتوزع بين الشعر والنثر والترجمة ، منها:
- ماقاله العشب
- عرسٌ في المخيم
- فندق الأرق
- العالم لا ينتهي
- نال العديد من الجوائز، آخرها اختياره مستشارا للأكاديمية الأمريكية للشعر، وحصوله على لقب امير شعراء امريكا .
- يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية في جامعة نيو هامشاير.

ستيفن ميلهاوسر - طموح القصة القصيرة

طمـــوح القصـــة القصيـــرة

الكاتب ستيفن ميلهاوسر


سـتيفـــن مـيلهــاوســــر
ترجمة: عبود الجابري
القصة القصيرة كم هي متواضعة ومهمشة، كم هي بعيدة عن الغطرسة في أخلاقها، تجلس بهدوءٍ هناك مطرقة كما لو انها تحاول أن لا تُرى، وإذا ما حدث أن لفتت اليها النظار فأنها تفعل ذلك بعجالة بصوت هامس متخوف ومستعدٍ لجميع احتمالات الخذلان.
" انا لست رواية كما ترى، ولا حتى رواية قصيرة فإن كنت تبحث عن الرواية فأنا لست ضالتك "
نادراً ما نرى شكلاً ادبياً يهيمن على شكلٍ آخر، ندرك ذلك ونكتفي بهز رؤوسنا معرفةً. هنا في أمريكا، الحجم هو القوة.
الرواية هي السوق الشامل وهي طائرة الأدب النفاثة. الرواية شرهة، لها رغبة في التهام الكون، القصة القصيرة المعدمة ماذا بوسعها أن تفعل؟
تستطيع أن تحرث بستانها، تمارس التأمل، تروي النباتات في الأصص الموضوعة على النوافذ، تستطيع أن تنخرط في دورة في الواقع الخلاّق، ويمكنها أن تفعل ما تشاء طالما انها لم تغادر موقعها طالما حافظت على هدوءها وتنحت عن وسط الطريق.
بصوتٍ صاخب تبكي الرواية وهي تختال في مسيرها، القصة القصيرة تنحني دائماً للغلاف، الرواية تتملك السهول، تقطع الأشجار، بينما تنتبذ القصة القصيرة.ركناً قصياً لتسحق تحت الأسوار.
من الطبيعي أن تكون هناك مزايا لصغر الحجم، حتى الرواية تحاول تحقيق تلك المزايا، الأشياء الكبيرة تنزع الى السيطرة دون إنتباه للتهذيب والرشاقة، صغر الحجم مملكة للأناقة والجمال، أنه كذلك مملكة للكمال.
الرواية تسعى لاستنزاف عالمٍ عصيٍ على الاستنزاف، لذلك فانها تناضل دون ان تبلغ ذلك، القصة القصيرة تسعى للمغايرة فطرّيا، وعندما تفوتها أشياء عديدة، فأنها تستطيع أن تعطي شكلاً جميلاً لما تمسك به من بقاياها. كذلك فأن القصة القصيرة تطالب بنوعٍ من الكمال الذي تتملص منه الرواية بعد أن قامت بأقصاء جذري للقصة القصيرة.
الرواية عندما تتذكر القصّة، فانها تخاطبها وبنوعٍ من الشهامة:
" انني معجبة بك " تقول ذلك واضعة يدها الخشنة على قلبها.. " انا لا أمزح " " أنتِ كذلك.. أنت كذلك جميلة، مهذبة جداً، من طبقةٍ راقيةٍ ورشيقةٍ أيضاً".
الرواية تحتوي ذاتها بصعوبة، بعد ذلك ما الذي يمكنها فعله..؟ لا شيئ أبداً سوى الكلام، ما تسعى اليه الرواية هو الفخامة.. القوة .
وعميقاً في سريرتها فإنها تزدري القصة القصيرة، التي تكتفي بأصغر المساحات.
الرواية لا تكترث لصرامة القصة القصيرة وزهدها ونكران ذاتها.
الرواية تسعى لإمتلاك المقاطعات، تسعى لإمتلاك العالم كله، بينما الكمال هو عزاء من لا يملكون شيئاً" ، ذلك ما تفعله القصة القصيرة حين تعلن عن ذاتها بتواضع، وتفاخر بمزاياها على استحياء، وتبّدد وقتها تفكيراً بعلاقةٍ نبيلةٍ مع منافستها، تجلس باسترخاءٍ وتطلق العنان للرواية لكي تحتل العالم شيئاً فشيئاً.
الأشياء البّراقة كما تبدو للعيان، يكون فيها اثر من الاختلاس حتما، ذلك الأمر هو الذي رّوض مالدى القصة القصيرة من توق، وفقاً للمزيا التي تتمع بها، ولولا ذلك، لما كان منها الإعتراف العلني بما حولها، بسب من الغريزة الشائكة في حماية الذات والسرّية التي يخلقها الظلم لدى الآخرين في عالمٍ يحكمه غرور الروايات المتتابعة، تعلمت صغيرة الحجم أن تحفر طريقها بدأبٍ لا يمكن اكتشاف مغاليقه، اتخيل القصة القصيرة تضمر في داخلها رغبة.
اتخيلها تخاطب الرواية:
" بوسعك أن تملكي كل شيئٍ... أيّ شيئ..، وجلّ ما أطلبه هو حبةُ رملٍ واحدة.."
فتهزّ الرواية كتفيها غروراً وازدراءً وتلبّي لها تلك الرغبة.
غير ان حبة الرمل تلك كانت طريق الخلاص للقصة القصيرة والمنقذ لها.
استعرتُ هذه العبارة من ويليام بليك"
" أن أرى العالم في حبة رمل "
تخيّلوا ذلك..، العالم في حبة رمل، ذلك يعني أن أي جزء من العالم مهما كان ضئيلاً فإنه يحتوي العالم كله في داخله..، ولنا أن نتخيلها بطريقة أخرى:
اذا ركزت انتباهك في أي جزء مجهول صغير من العالم، فإنك لن تجد في عمقه سوى العالم ذاته. في حبة الرمل تلك ثمة المحيط الذي يرتطم بالشاطئ، والسفن التي تمخر عباب ذلك المحيط، والشمس التي تنعكس على تلك السفن، ثمة الريح الموسمية وملاعق الشاي في " كنساس ". انه بناء كوني كما ترى.
وثمة هناك طموح القصة القصيرة، ذلك الطموح الرهيب الذي يختبئ خلف تلك البشاعات المرائية بدءاً من الجسد، صعوداً باتجاه العالم جميعه.
القصة القصيرة تؤمن بالتحوّل،تؤمن بالقوة الكامنة، بينما تفضل الرواية وضوح المشهد، فهي لا تملك صبر حبة الرمل الوحيدة، التي تلمع ولا يمكن مشاهدتها. الرواية تود ان تجمع كل الأشياء بين احضانها. الشواطئ والقارات، لكنها لن تنجح في ذلك أبداً، فالعالم أكثر اتساعاً من الرواية.. العالم الذي يتشظى في جميع الإتجاهات.
الرواية تقفز دونما هوادة من مكان الى آخر.. جائعة دونما قناعة، يعتريها خوف الوصول الى النهاية.. لأنها حين تتوقف ستكون مجهدةً دون أي أحساس بالأمان... سيهجرها العالم.
القصة القصيرة تركزّ في حبة الرمل خاصتها.. في المعتقدات المفترسة التي كانت ولا تزال، تركز في راحة يدها، حيث ينطوي العالم جميعه، تتطلع في حبة الرمل، كما يتطلع العاشق في وجه حبيبته، إنها تنتظر اللحظة التي تفصح فيها حبة الرمل عن طبيعتها.
في تلك اللحظة من البوح الصوفي، وعندما تنبثق الوردة الكونية من بذرة صغيرة، ستشعر القصة القصيرة بقّوتها، ستغدو أكبر من ذاتها.. ستغدو أكبر حجماً من الرواية.. ستكون شاسعة كما هو العالم.
في ذلك المكان، تقبع جرأة القصة القصيرة، وعدوانيتها المستترة، طريقتها في البوح، صغر حجمها هو مصدر قوتها، الكتلة الثقيلة للرواية تقوم بضربها في مشهد مضحك للضعف.
القصة القصيرة تعتذر دون ذنب، جذلى بقصرها، تتمنى لو انها تكون أقصر، تتمنى لو تكون كلمة واحدة، ولو تمّ لها العثور على تلك الكلمة التي تستطيع وصف المقام، فان الكون جميعه سيتوهج هادراً.
ذلك هو الطموح الشنيع للقصة القصيرة، ذلك هو الإخلاص الأعمق.
تلك هي عظمة الصغر........
ستيفن ميلهاوسر...

قاص وروائي أمريكي له العديد من الأعمال الروائية والقصصية أبرزها " مارتن درسلر" التي حازت جائزة البوليتزر، ورواية " صورة شخصية للعاشق 1977 " و " مملكة مورفيوس 1986 "، وله خمس مجاميع قصصية منها " مملكة صغيرة 1993 " و " الليل المسحور 1999 ".
يعمل أستاذاً في كلية سكيدمور في نيويورك ومنح جائزة الأكاديمية الأمريكية للأدب ومعهد الفنون عن مجمل أعماله.
* عن نيويورك تايمز 3 نوفمبر 2008

هارولد بنتر - ربما يشيخ الموت

هارولد بنتر
ترجمة عبود الجابري


ربما يشيخ الموت
"ربما يشيخ الموت
لكنه يحتفظ بنفوذه
ويقوى على نزع سلاحك بنوره الباهر
ماكر
بحيث لاتعرف أين ينتظرك
ليلوي عزيمتك
ويعريك
كما لو أنك متأهب للقتل
لكنه يسمح لك بترتيب ساعاتك
بينما يقوم بامتصاص رحيق زهرتك الجميلة "
ربما يشيخ الموت
هارولد بنتر
ترجمة عبود الجابري
في عام 1958 كتبت السطور التالية:
(( لايوجد فرق ملموس بين ماهو حقيقي وماهو غير حقيقي ، ولابين ماهو صادق وماهو زائف. اذ ليس ضروريا أن يكون الشيء اما صادقا او زائفا ، بل يمكن أن يكون صادقا وزائفا في الوقت نفسه ))
مازال هذا الكلام في اعتقادي صحيحا ، فيما يتعلق باستكشاف الواقع في الفن ، وما زلت اتبناه من موقعي ككاتب ، اما من موقعي كمواطن فلا يمكنني قبوله ، ذلك لان من واجبي كمواطن أن اسال ماهو الحقيقي ؟ وماهو الزائف ..
تلك هي هي كلمات ( هارولد بنتر ) في متن خطابه الذي كتبه ليذاع عشية تكريمه في الاكاديمية السويدية لمناسبة فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 2005 ، ذلك الخطاب الذي لم يتمكن من القاءه في ذروة صراعه مع سرطان المريء، فتم عرضه متلفزا . وقد تباينت ردود الافعال حول ماهية الخطاب ، حيث رأت الاكاديمية السويدية أن الخطاب ليس مكتوبا لكي يقرأ في حفل تكريم على غرار احتفالات نوبل وأن – هارولد بنتر - مازال يتخذ المنهج ذاته في تغليب السياسي على الأدبي حتى في اشد المناسبات احتفاء بالأدب وأن الخطاب أخذ شكل البيان السياسي بدلا من أن يكون خطابا أدبيا ، بينما رأى فيه العامة لسان حالهم الذي عبر عما كانوا يريدون قوله في مرحلة كانت القوة العسكرية فيصلا في جميع المحافل، وأن الاكاديمية السويدية قد استعادت رشدها وأن لمرة واحدة حين كرمت كاتبا معارضا مثل ( هارولد بنتر ) ، فيما استغل خصوم ( بنتر ) المناسبة للحديث عن أن الاكاديمية ولدوافع بعيدة عن الأدب قامت بمنحه الجائزة لعلها تخفف من غلواءه.
( هارولد بنتر) الذي حقق نجاحا عالميا كواحد من الكتاب الدراميين في مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية ، وقد جنح بنصوصه المسرحية الى استعمال الصمت
لاستدراج التوتر ، الصمت الذي يؤجج مشاركة المتلقي في توقع ما سيحدث ، كذلك
فانه كان يؤمن بان اللغة ليست اداة للتواصل فحسب ، وانما سلاح الذين يخضعون
للتهديد والابتزاز ، وقد كانت مواضيع التهديد والنزاعات العائلية والشك والغيرة ثيمة اساسية في نصوصه التي تذكي الصراع من اجل البقاء في حيوات ابطاله .
يقول ( بنتر ) ( لا اعرف كيفية تأثير الموسيقى في الكتابة ، فهي شديدة الأهمية بالنسبة لي ، كلا النوعين : الجاز والموسيقى الكلاسيكية ، ينتابني شعور بانسيابية الموسيقى اثناء الكتابة الأمر الذي يختلف كليا عن التأثر بها ).
( بنتر ) المولود في حي هاكني اللندني الشعبي لأبوين يهوديين ، ابن الخياط الذي كان أكثر ميلا لأمه بسبب صرامة ابيه الشديدة ، كان قد اجلي مع مجموعة من الصبيان الى قلعة في مقاطعة كورن وول الجنوبية ابان الحرب العالمية الثانية ، وهي ذكرى مؤلمة لاتفارق ذاكرته حيث مشاهد القصف اليومي وحنينه الى ابويه اللذين انتزع من بينهما .
درس في مدرسة هاكني داونز للقواعد وكان الادب الانجليزي محور اهتمامه ولاسيما الشعر، كما قرأ حينذاك اعمال كافكا وهمينغواي ، وقد اضطر لترك الدراسة في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية عام 1949 بسبب معارضته الانخراط في الجيش لأداء الخدمة العسكرية ، الأمر الذي قاده الى محاكمات انتهت بالاكتفاء بفرض غرامة مالية عليه (( كنت سأودع السجن ، وكنت اجلب معي فرشاة اسناني متوقعا أن يحكم علي بالسجن ، غير أن القاضي ابدى قليلا من التعاطف معي واكتفى بتغريمي ثلاثين باوندا ، ربما ستتم دعوتي الى الخدمة في الحرب القادمة ، لكنني لن اذهب ابدا )).
بدأ ( بنتر ) بنشر قصائده باسم مستعار هو ( هارولد بنتا) في مجلة الشعر اللندنية ، وعمل ممثلا ثانويا في الاذاعة البريطانية وقد درس أيضا لفترة قصيرة في المدرسة المركزية للألقاء والدراما ، وانضم الى فرقة شكسبيريانز التي تجولت في ايرلندا مدة عامين 1951- 1952 عارضة اعمالها هناك .
( الغرفة ) 1957 كانت اولى اعماله التي كتبها لفرقة جامعة بريستول وقد فرغ من كتابتها في غضون اربعة ايام ، وكانت ( ألم خفيف ) اولى اعماله الاذاعية التي اذيعت عبر الاذاعة البريطانية عام 1959 تلتها مسرحية ( حفلة عيد الميلاد ) التي عززت شهرته من خلال عاصفة من اللقاءات التي اجريت معه والعروض النقدية التي نشرت حولها آنذاك .ورغم العدائية التي اتسمت بها كتابات النقاد وقتذاك الا ان بنتر استمر في تعزيز شهرته ونجاحاته من خلال العديد من الأعمال المسرحية ابرزها (الناظر ) و ( النادل الغبي ) و ( العودة الى الوطن ) و ( القزم )
و( منظر طبيعي ) .
بعد عقود من النجاح المستمر قال ( بنتر ) عن النقاد ( بشكل عام فأني ارى ان النقاد باقة جميلة من البشر لا أهمية لها ، فنحن لا نحتاج من النقاد أن يخبروا المشاهدين بماذا يفكرون ) .
منذ السبعينات تحول ( بنتر ) الى الاخراج المسرحي وكتابة السيناريو ولعل اشهر اعماله في السيناريو رائعة مارسيل بروست ( البحث عن الزمن الضائع ) عام1977 .
منح ( بنتر ) العديد من الجوائز ابرزها جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي وجائزة البافتا والسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1971
وجائزة الكومنولث .
تزوج ( بنتر ) من الممثلة ( فيفيان ميرجنت ) وعاشا فترة في حي ( موتنج هيل ) الفقير ، ورغم تصريحاته حول عدم قيامه بالكتابة لممثل بعينه الا أن زوجته ( فيفيان ) بدأت بالظهور تدريجيا في اعماله المسرحية ، وبعد انفصالهما تزوج من الكاتبة البريطانية ( ليدي انتونيا فريزر ) وقد توفيت زوجته الأولى عام 1982.
منذ الأنقلاب الذي اطاح بالرئيس التشيلي ( سلفادور الليندي ) عام 1973 بدأ ( بنتر ) العمل في مجال حقوق الانسان معارضا لسياسات الحكومتين الأمريكية والبريطانية ، وكانت اراؤه مثيرة للجدل على الدوام ، وقد اعلن استنكاره لتدخل حلف الناتو في أزمة كوسوفو قائلا أن ذلك( يفاقم المأساة ويزرع الرعب في قلوب الابرياء ويدمر البلاد ( وكان كذلك ضمن اللجنة الدولية التي تشكلت للدفاع عن الرئيس( سلوبودان ميلوسوفيتش ) وضمت في عضويتها المحامي الامريكي ( رامزي كلارك ) ، وكان كذلك من ابرز الكتاب الذين اعلنوا معارضتهم وتنديدهم بالحرب على العراق ساخرا من تسميتها ( حربا وقائية ) ومن الرئيس بوش :
( لقد قال بوش انه لن يدع اخطر انواع السلاح في ايدي اسوا القادة في العالم ، ذلك صحيح ايها الرفيق ، فلم لاتنظر في المرآة لترى نفسك ؟؟ )
عام 2005 اعلن ( بنتر ) اعتزاله الكتابة وتفرغه للعمل السياسي قائلا : لقد قمت بكتابة تسع وعشرين عملا مسرحيا ، ألا يكفي ذلك ؟

دونالد ريفيل - قصائد

قصائد للشاعر الأ مريكي دونالد ريفيل
ترجمة عبود الجابري


شاعر، مترجم وناقد له تسع مجموعات شعرية آخرها ( سارق الأوتار ) عام 2007 ، حاز على جائزة ليونور مارشال ، كما حاز على جائزة مركز القلم الأمريكية للشعر مرتين ، ريفيل ايضا حائز على جائزة جيرترود شتاين ، وجائزة الشيستاك ، وجائزة بوشكارت . وهو عضو في الكثير من المحافل الأدبية الأمريكية والدولية ، كذلك حاز جائزة لوس انجلس تايمز للشعر عام 2005 ، وهو استاذ اللغة الانجليزية في جامعة اوتا ، والمحرر الثقافي لمجلة كولورادو ريفيو.

الحكمـــــة

كان الأمر متأخرا .. لقد منحني غوته يده الرحيمة فاخترت الموت
جون بيتر ايكرمان
ماالذي حدث؟؟
كنت سعيدا بمشقة اعتقادي بذاتي
شجرة مقطوعة ينضح من جرحها سيل من الديدان
وعلى بعد قدمين فقط
ثمة نباتات عطرية
حيث تسقط مياه الشلالات المختلفة الألوان تزهر
علىالعضايا والأوحال المتراكمة
لا
دي
دا
ذلك ما يهمني في الأمر
الوقت ، رجل او امرأة عليهما أن يفتنا بحبي
تلك هي امريكا
تلك هي الهم الأكبر
ماحدث هو أن عيني لا لون لهما
احب الطريقة التي تنبثق فيها الأزهار
من شجرة ميتة
الزجاج المكسور يضج بالحياة ايضا
وانا اتناثر في الوان شظاياه
عام الأنتخابات
الجدول .. انبثاق طيف البحيرة
كالبراري التي تلتف حولنا
صخرية جوفاء
اصوات الطائرات تلك
هي اصوات راكبي الدراجات الغرقى
يقفزون كما تقفز وصيفة العروس
اتريد أن امنحك صوتي ..؟
تستطيع أن تحظى به
عندما تتخيل الصوت الأخضر
يصدره منقار الطائر الطنان على الأخشاب الجافة
والآن .. ثمة طيوركثيرة تتدفق على الجدران
لم استطع أن أتوقع ابدا:
كل يوم ..
_ رغم أنها مشيئة الشعب -
أن أعثر على زهور جديدة ..

الملكوت
فجأة .. تتوهج ازهار نحاسية على الخشب البائد
كنت حاضرا .. أنظر اليها تتوهج ،
وثمة فتاة ترتدي ثوبا كالحا
تقضم تفاحة
وتنظر الى الأسفل باتجاه الوادي
صوب قاطرة تنفث بخارها هناك
اذهب الى الأعالي لألحق بالموت
فيرحب بي
ويريني الطريق
الصراط المضمخ بالنوررانية__
مامن انسان يستعبد انسانا آخر هنا
والنور .. تفاح معلق على الظلال
مباح لمن يشاء
قلت أن الموت فتاة صغيرة
والتفاحة في يدها
هبة الله
التي تقضمها لتلفظ حريتي من بين اسنانها
بينما شعاع الشمس
يحيل الخشب البائد
الى زهور نحاسية
*My Mojave
ال ...ظل
كما نيزك يهوي في الظهيرة
دائرة مكتملة
تسقط في بياض ناقص
تخيل الطريق الأسود
كيف يمتد بياضه في يوم مشمس
استطيع القول
أن الظلال والسراب
يكافآن العالم
يكملان تغييره
دونما تغيير
في الصباح وبعد العاصفة
نستعمل المقشات لتسوية الأمر في الخارج
ثمة شظايا زجاجية علينا جمعهافي الفناء الخلفي
وثمة غبار
مغطى باجنحة شفافة
لم تستطع الحشرات استعمالها اثناء الريح
واصابتها بخيبة أمل
لماذا تبدو الأجنحة مبعثرة في مواضع سقوطها؟؟
ولماذا هي ساكنة جدا
الم يكن بوسعها اختراق الريح ..؟
عاشق غيور
ورغبتك تسلك الطريق ذاته
وارض غيورة ايضا
لاتستطيع الأحتفاظ بالظل وحدها
في الظهيرة
روحي ترغب ان تسلك الطريق الأسود
الذي يبدو ابيضا
فانا غير ذي جدوى
تماما كألأجنحة في العاصفة

*MOJAVE: صحراء شاسعة تمتد بين كاليفورنيا وكولورادو يسكنها ألأمريكان البدائيون .
نقاء

شجرة مغروسة في قلبها
والريح تعول
كارتطام المعادن بالحصى
اين ستحط رحالها
ومامن سكون يمكنها أن تأوي اليه...؟
حين أتحدث عن الغرور
فأن الوردة
هي افضل مكان لموت النحلة
وأفضل ما تستطيعون عمله
هو أن تغرسوا أ رواحكم في الثلج
وحين تنتصبون
كونوا متكأ للآ نبياء
اعتراني ارق شديد ليلة أمس
كنت أفكر
كيف يمكن أن تكوني جبلا
وفي قلبك
تنبت شجرة ....؟
* المصدر ( (Colombia poetry review

توني موريسون - استقراء الماضي

توني موريسون.. استقراء الماضي
عبود الجابري



تحرير: سوزانا روستن
ترجمة: عبود الجابري

"كنت أحثّ الخطى وحيدةً الا من عيونٍ ترافقني في مسيري، عيون تتجاهلني، عيون تتفحص إن كان لي ذيلٌ، حلمة اضافية او أثر سوطٍ على اليتي،عيون تحدق بدهشة لتقرر ان كانت سرتي في المكان الصحيح، وإن كانت ركبتاي تنثيان كقوائم الكلب، تريد ان تتأكد إن كان لساني مشطوراً كلسان الأفعى، وإن كانت اسناني على وشك الالتهام، وإن كنت استطيع القفز من وسط الظلام وأمارس العضّ!!
كنت منكمشة من الداخل وأنا أقطع طريقي وسط تلك العيون المحدقّة اعلم انني لم أعد كما كنت، انني افقد شيئاً ثميناً مع كل خطوة اسيرها، استطيع ان أشعر بالنزف، شيئ ثمين يغادرني، انا كائن يتشظى.
مع الحرف يكون لي نسب وأشعر بشرعيتي، وبدونه أنا عجل يخذله القطيع، سلحفاة دونما ترس، سمك دون مجسات، هناك فقط الظلام حيث ولدت، الظلام في الخارج والداخل أيضاً، ظلام مسنن وله ريش..؟!
هل كانت أمي تعرف ذلك ولم اختارت لي تلك الحياة..؟
عند هذه النقطة فقط، انتاب فلورنس ذلك الشعور بالضآلة، بسبب الربط بين سواد لونها وبين الشيطان.. وبعد ان قاموا بتفحص جسمها شعرت وكأنها كائن غير ادمي تحت نظراتهم.. شيئ ما مات في داخلها ، الأشياء تنظر اليها بتلك العدائية.. الأشجار.. والأشياء جميعها، وكانت تفكر ان كانوا ينظرون اليها بسبب سواد لونها وإن كانوا يرون ذلك امراً شريراً وشيطانياً وأن عليها أن تعاود التفكير بالأمر.
الآن وحين خلت الى نفسها فكرت ان كانوا على حق ؟؟شيء سيء ينمو داخلها، شيء يفتت النفس.
ذلك هو المنعطف الحاسم الذي توقفت عنده " توني موريسون " في روايتها الجديدة " فلورنس" - حيث تبحث الشرطة من مجموعة خاطفي النساء - ، لترد على هاتفها الخلوي" " انه ولدي تقول معتذرة ، انه يمازحني ربما " لتعاود الإتصال به ويجري بينهما حديث سريع حول آخر المستجدات في الإنتخابات الأمريكية.
" سنقضي وقتاً ممتعاً " وأردفت فيما بعد. "سوف نشاهد تغطية أخبار الإنتخابات على شاشة التلفاز مع مجموعة من الأصدقاء، ليلة الثلاثاء".
وعن رأيها فيما لو فاز " باراك أوباما " تقول:
" سيكون ذلك أمراً رائعاً وممتعاً وله تأثير الصدمة كما أظن " موريسون " كانت قد قالت أن بيل كلينتون أوّل رئيس أسود، " لقد قلت ذلك لأنه كان يعامل كرجل أسود وكان.....!! ثم صمتت قائلة " على اية حال، لا أستطيع أن أقول شيئاً، لم يعد للأمر أهمية" ثم عادت لتكمل حديثها عن اوباما.
"لم أتعرف عليه، لقد تعرفت على " هيلاري "..، وكنت احبها وأحترمها لسنوات طويلة،" المرة الأولى التي اتصل فيها اوباما طالباً مساندتها قابلتها بالرفض ولكن " لقد تبادلنا الحديث لوقت قصير" وفي كانون الثاني غيرت رأيها وكتبت له رسالة متقدة تثني فيها على حكمته".
" رحمة " رواية موريسون التي كتبتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، نشرت في بريطانيا، وتم توزيعها في أمريكا مؤخراً، على الرغم من أن موعد النشر قد تم توقيته ليكون بعد اختيار " باراك أوباما " مرشحاً للحزب الديمقراطي، وهو أمر لم يكن مصادفة على الإطلاق".
في " رحمة " تكتب الروائية الحائزة على نوبل ذات السبعة وسبعين عاماً، بشكل مباشر حول " الرقّ " في أمريكا، لأول مرة منذ روايتها " محبوبة" ورغم اختلاف " رحمة " عن بقية رواياتها،- تقع غالبية احداث الرواية في القرن السابع عشر- ، تقول موريسون عن الرواية "انها محاولة للفصل بين الرق والعنصرية، لمعرفة الكيفية التي ترسخ فيها ذلك المفهوم وغرس بتأنٍّ ، من أجل حماية تلك الفئة من الإضطهاد ومصادرة اسس حياتهم المدنية، مثلما هو قرار الشعب الأمريكي بانتخاب امريكي من اصول افريقية رئيساً انه أمر بديع.".
هكذا تدفع الكاتبة الأمريكية من أصول افريقية بوجهة نظرها حول امريكا الخالية من الفساد، او امريكا التي دبّ فيها الفساد عبر التفكير بطريقة عنصرية.
تمتد شهرة موريسون الى عقود أربعة انجزت فيها تسع روايات أوغلت عميقا وبشكل جرئ في التاريخ الأمريكي.
" تشكل كتبي اسئلة بالنسبة لي.. ماذا لو..؟ وماذا تشعر ..؟ او كيف كانت ستبدو لو استبعدنا العنصرية منها..؟ وكيف كانت ستبدو لو تحققت لك المدينة المدينة الفاضلة..؟ كل ما تمنيت تحقيقه..؟ أسئلة تبدو مغالية في طرحها.. وتبحث عمن يطرحها بوضوح، وتعتمد عملية البناء الروائي على كيفية جمعها معا".
كتبت " موريسون" روايتها الأولى العيون الأكثر زرقة- 1970 بينما كانت تعمل طيلة النهار مسؤولة عن تربية اثنين من اولادها في نيويورك، وقد أظهرت فيها براعة ادبية عالية في رصد تحولات الحياة عند الفتيات السود القاصرات اللواتي كن يعشن في مسقط رأسها - لورين- في أوهايو.
" سولا 1973" تتحدث عن صداقة نسائية مستوحاة جزئيا من حياتها كأم وتفاصيل أخرى لها علاقة بنشاط الحركات النسوية التي كانت سائدة انذاك.. بينما.. تتحدث " اغنية سليمان" عن البطولة والإغتراب.. لكنها في " محبوبة " الرواية التي حازت جائزة نوبل، تكتب عن ميراث الرق في القرن العشرين والقوانين التي وضعت من اجل ذلك، وكانت قبل ذلك قد بدأت حياتها بتأليف موسوعة التاريخ الأفرو - أمريكي " الكتاب الأسود".
" محبوبة " التي تحكي قصة جارية تهرب من مالكها السابق الذي يقوم بالبحث عنها، مفضلة أن تقوم بذبح ابنتها على القيام بتسليمها له.
انها رواية الرعب المكتوم،وناهيك عن الوحشية التي تتخلل الأحداث، فإن موريسون تقابلنا بالألم الذي لا يمكن للذاكرة تجاوزه.. الألم الذ يعّد " واحداً من اكثر الأساليب وحشية في التاريخ البشري.. عمل لم يسبق للمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ان لاحظته من قبل " كما تقول " مارغريت اتوود ".- الناشطة في مجال حقوق الاقليات -
"كنّا محكومين بشدة بالثقافة الافرو - أمريكية، فكان بديهياً أن يكون الرق جزءً من تلك الثقافة"، تتحدث موريسون عن نشاتها، علاوة على الضغط الذي لم ترغب بتذكره وانما بكيفية التغلب عليه، لذلك فانها عندما كتبت " محبوبة "، فإن فن النسيان كان جزءً اساسياً في البناء.
وحين لم تفلح محبوبة بالظفر بجائزة الكتاب الدولي، انبرى اكثر من من ( 48 ) ناقداً وكاتباً من بينهم " مايا انجلو " و " اليس ووكر " بالكتابة الى نيويورك تايمز متحدثين عن فضائل ادب موريسون فمنحت على اثرها جائزة " البوليتزر "، موريسون ذاتها تنبهت الى ان هناك مناصرة جماهيرية لما تنجزه الكاتبات السود وبعد أن نالت " نوبل عام 1993 كتبت "بأنها قد حصلت على شهادة للزهو" .
تتفق موريسون مع النقاد الذين يرون أن الحبكة الروائية لديها محصورة في نطاق ضيق شأنها شأن " جويس و دستو يفسكي" حيث كتب جويس عن ايرلندا ودستويفسكي حول روسيا وكانت موريسون تسلط الرأي على اهمية الاعتداد بحرية الرأي بعيداً عن الإستبداد، معبرة عن ذلك بطريقة رقيقة تتجلى فيها انوثتها.
منذ عدة سنوات اشترت منزلاً في برنستون.. في شارع مليء بالأشجار الكثيفة ضمن الحرم الجامعي.. وقد خصصت الطابق العلوي منه لحفيدتيها.. .." أعلم أنه ترف مبالغ فيه غير انني استمتع بذلك انه نقيض ما عشته في طفولتي في " اوهايو ".
ولدت " موريسون " في عام 1931.. واسمها الحقيقي " كولي انتوني " في ردفورد وتوني لقبها الذي اتخذته خلال فترة الدراسة " اما"موريسون " فاتخذته من زوجها السابق..، كان والدها يعمل في مجال لحام المعادن،" حين بدأت الحرب بدأ كل شيء ينفد لدينا، وكانت خلافات والدي كما هي خلافات الفقراء أنذاك".
تقول " موريسون " انها تتمنى ان ترى اولادها بشكل مغاير بعيد عن بشاعة التمييز العنصري التي سادت اعوام الثمانينات" ، وحين سألتها متى شعرت انها قد عوملت وفقاً للون بشرتها ؟ وهل احست يوما انها مهددة بسبب ذلك؟؟ أجابت بعصبية ان السؤال يمكن ان يكون " متى شعرت انك امرأة بيضاء..؟"
غير ان دروس الماضي متباينة لدى والديها " لم يكن أبي يثق بأي شخص ابيض.. لم يكن يسمح لهم بدخول منزلنا.. موظفي التأمين وسواهم.. " ولحسن الحظ فإن أمي كانت على النقيض من ذلك، كانت مختلفة تماما.. وتقابل الناس بناءً على تقييمها لهم كانت أمي تتكلم عن طفولتها في الجنوب حيث غادرت وهي في السادسة بشغف وحميمية وانتماء، بينما يتكلم ابي عن مسقط راسه بطريقة مختلفة بكل معنى الكلمة لكنه رغم ذلك يقوم سنويا بزيارة المكان الذي يكرهه " جورجيا " بينما لم تزر امي " الباما " المكان الذي كانت تحب .. أبداً..
مثل هذه الصراعات كانت تتكرر في رواياتها التي تحفر في مواضيع التنافر الديني والسياسي والعرقي، من خلال فضح الممارسات التي كانت سائدة انذاك، لقد اختارت الدراسة في كلية " هوارد " في " واشنطن ". لأنها رغبت ان تبقى محيطة بالثقافة الفكرية للناس السود وبذلت قصارى جهدها لإستيعاب واكتشاف الأثار التي ترتبت على اندماج تلك المكونات وتسوية الخلاف بينها.


عن الغارديان 1 نوفمبر 2008

باربارا راس

لا يمكنكِ الحصول على كل شيء


باربارا راس
ترجمة : عبود الجابري

غير أنّ لك شجرة التين
باوراقها السميكة مثل كفَي مهرجٍ ملفوفتين بالاخضر
لك لمسٌة على خدك
من اصبع ولد وحيد
في الحادية عشرة من العمر
يوقظك عند الواحدة صباحا
ليخبرك بعودة (( الهامستر ))
لك مواء القطة
والنظرة المعبرة للكلب الأسود
النظرة التي تقول
لو أستطيع
أن أعض كل حزن .. حتى يتوارى
وعندما يحل شهر آب
فسيكون لك كله
آب .. وماهو أكثر غزارة
لك الحب
الذي سيكون – على الأغلب - غامضا
يشبه الرغوة البيضاء
تلك التي تطفو على سطح قدر الفاصولياء
فوق الكلى الحمر
حتّى تدركي انّ الدم
هو توأم الرغوة
لك الجلد
الذي يتمركز بين ساقي الرجل
صلبا جدا
كأنه دمية
لك حياة العقل
الذي يتوهج احيانا
بأثواب الكهنوت
ولايقر بتفاهته ابدا
لايتنازل لرشوة الحارس المتجهم
الذي يخبره أن الطرق ضيقة على الحدود
لك أن تتكلمي لغة غريبة
ربما تعني شيئا بعض الأحيان
لك أن تزوري الشاهدة في المقبرة
هناك حيث بكى ابوك بضراوة
غير انك لن تستطيعي ان تعيدي الميت
لك كلمتا الغفران والنسيان
متشابكتان بالايدي
كما لو انهما تتقاسمان الحياة
تستطيعين ان تشعري بالامتنان
لاختلاق طريقة لتقبيل وجهك
نصف اشتعال
نصف فقدان للذاكرة
ممتنة لموزارت
لانغامه التي تسابق احداها الأخرى
صوب البهجة
لمناشف
تمتص القطرات من على جلدك النظيف
للتوق الأعمق لثمرة العاطفة
لّلعاب
لك ايضا ناصية الحلم
حلم مصر
وخيولها التي تركبينها على الرمال اللاهبة
لك صورة جدك جالسا بجانب سريرك
على الاقل لبرهة واحدة
لك الغيوم والرسائل
واختزال المسافات
والطعام الهندي بصلصته الصفراء
كشروق الشمس
لن تستطيعي ان تعتمدي على القدر
ليختارك خارج الحشد
ولكن هاهي صديقتك تدربك كيف تقفزين عاليا
كيف ترمين بنفسك الى الوراء
فوق العتبة
ريثما تتعرفين على الحب
على الاستسلام اللذيذ
هنا ك حيث نباتات الونكة
_ الحافلات الجاثية
والحقول التي في المخيلة
حقيقية كما في افريقيا
وعندما يخذلك العمر
تستطيعين ان تستحضري
- ذاكرة بجعة سوداء
في بركة طفولتك
- خبز الجاودار
بزبدة الفول السوداني والموز
الذي كانت تعطيك اياه جدتك
بينماتنام بقية العائلة
وهنالك الصوت الذي تستطيعين استحضاره عندما تشائين
كصوت امك
صوت سيهمس دائما
لن يمكنك الحصول على كلّ شيء
فهذا كل شيء
.........
** من مجموعة (( أعضّ كلّ حزن )) – منشورات مطبعة جامعة لويزيانا /1998

باربارا راس
- ولدت عام 1949 في مدينة بدفورد /ولاية ماساشوستس /امريكا
- صدر لها مجموعتان شعريتان:
• تعرية الطقس /1975
• اعضّ كل حزن / 1998 والتي حازت على جائزة والت ويتمان
التي تمنحها الاكاديمية الامريكية للشعر .
- كما صدر لها كتاب عن كوستاريكا ضمن سلسلة ادب الرحلات .
- تعمل في جامعة جورجيا حاليا ..

الاثنين، 5 يناير 2009

فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجابري. . . شاعر يستقطر عسل الكلام

- فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجابري. . . شاعر يستقطر عسل الكلام
- ___________________________
عدنان حسين أحمد
تحتاج التجربة الشعرية لعبود الجابري الى معاينة خاصة لأكثر من سبب. فهو شاعر متأنٍ من جهة، ولا أريد أن أقول مٌقلاً في كتابة نصوصه الشعرية، لأن الشِعرَ هاجسه الأول والأخير مذ عرفته في عمّان في نهاية النصف الأول من تسعينات القرن الماضي. كما أنه ينتمي الى جيل " الحرب والشَتات " من جهة أخرى. وقد شهد شعراء هذا الجيل المُحبَط نزوحاً جماعياً غير مسبوق عبر منْفذٍ واحد وهو الأردن الذي كان يشكِّل لهم " نقطة إستراحة " سوف تفضي لاحقاً بأغلب الأدباء العراقيين الى مصائرهم المتقاطعة المجهولة. غير أن الجابري آثرَ البقاء في عمّان مُستجيباً لشروط " الإقامة العاطفية " بعد أن منَّ الله عليه بزوجة نبيلة قررت أن تشدّه الى عمّان بخمسة أولاد، تاركة إياه " يفهرس أخطاءه " كيفما يشاء. وقد طبعت الحرب بصماتها على مجمل تجربته الشعرية بحيث لم ينجُ من أسارها إلا نزر قليل من القصائد التي وجدت طريقها الى غابة الأسئلة الوجودية المؤرِّقة، الأمر الذي أضفى على قصائده بُعداً فلسفياً مقروناً بصور شعرية جذابة ذات حلاوة وطلاوة لا تخطئهما الأذن المدربة.
تستدعي شعرية الجابري التي نضجت على نار هادئة طوال عقدين أو يزيد بوصلة ما تُدل الناقد الى الجهة التي يمضي إليها الشاعر، فلا بد من هدف ما يروم الوصول إليه، حتى وإن كان هذا الهدف سراباً أو متاهة، أو حلماً بعيد المنال. ومن خلال قراءتي المتواضعة لهذه المجموعة الشعرية التي تتألف من " 25 " قصيدة ألبسها الشاعر لبوس " الأخطاء المُقتَرفة " من قِبَلِه، تبيّن لي بواسطة البُعد المنظوري أن الشاعر مُتجه من بغداد الى المتاهة، سالكاً الطريق الوحيدة المُفضية، أيام الحصار، والمحنة السوداء، الى المُدن المُنهَكة في المنافي النائية.
تشكيل الصورة الشعرية
توحي أغلب الصور الشعرية في قصائد الجابري وكأنها مرسومة بريشة فنان ماهر. ولو تأملنا في قصيدة " تخطيط أولي لمساء الشاعر " التي إستهل بها مجموعته الشعرية لوجدناه يستعير ريشة الرسّام وهو يصوِّر المساءَ " مُقعياً على أربع يُنجب أيتامه " وفضلاً عن " أنْسنة " المساء الذي " يقلِّب كفيه ذات اليمين وذات الخواء " نرى الوطن الذي " ترعف الريحُ أحزانه " ثم تنتهي القصيدة بسؤال مفجع مفاده " هل ستكفيك عشر أصابع / تحصي بها ندباً / في ظهور ملائكة ذابلين.". سأستعير من د. صلاح نيازي توصيفه النقدي عن " التركيبة الأوبرالية " التي تنطبق الى حد ما على بعض القصائد السومرية. ويمكن تتبع هذه التركيبة الأوبرالية في قصائد الجابري منفردة ومجتمعة على حد سواء. فثمة تمهيد يستهل به نصه الشعري كي لا يفاجئ السامع أو القارئ بالحدث الجلل دفعة واحدة. وهذا التمهيد يشبه البداية في فن القصة القصيرة. ثم يبدأ الجيَشان حينما تصل الثيمة الى ذروتها، وأخيراً تبدأ " الآريا " أو " التصويتة " بالمفهوم الأوبرالي، وهي التي تقوم مقام الخاتمة في البنية الأرسطية لأي جنس أدبي. ومما يعزز رأينا القائل بالتركيبة الأوبرالية في بعض قصائد الجابري أنها تراجيدية في مجملها، أو لنقل أنها درامية في الأقل، ومحتفية بعناصر الشد والجذب، والتوتر والإسترخاء اللذين يتوفران في أي عمل درامي. ففي قصيدة " تخطيط أولي. . " سنعرف سلفاً أن هناك أيتاماً، وأن هناك مدىً رسمْنا على ظله وطناً، وأن هناك شاعراً قد لا تكفيه أصابعه العشر لعدِّ الندوب الموشومة على ظهور ملائكة العراق الذابلين ". هذا التمهيد يهيئ قارئ النص أو سامعه للفحوى الدرامي، وما ينطوي عليه النص من أبعاد تراجيدية محزنة. وحتى قصيدته المعنونة " فالنتاين " والمدبًّجة لمناسبة " يوم الحُب " في 14 فبراير " شباط " من كل عام لا تخلُ من ذكر الحروب، والألوان الحمراء، الى جانب العصفور، والعش، والقرط، والشرفة، والقميص، والشال الذهبي. فكل شيء أحمر قانياً بما فيه عيون الأمهات، ونشرة الأخبار، والشفق القرمزي " أحمرٌ..... كل ما حولنا / فلا تحزني..../ ثمة أنت...... وأنا..../ وترابٌ أحمر..../ تلوذ به / وردةٌ ....حمراء تنتظر ارتعاش يدي / وشحوب......الرصاص." وقبل أن ننتقل الى قصيدتي " عابر وطن " و " بلاد تضيق بأهلها " لنعزز منحاها المنظوري، ونحدد زاوية النظر التي يقف عندها الشاعر بوصفه " عابر سبيل " لكنه تلاعب في صياغة العبارة الواقعية، مُضفياً إليها بعداً مجازياً جميلاً ليصبح هو مجرد " عابر وطن " لا غير! قبل أن ننتقل الى هاتين القصيدتين لا بد لنا أن نشير الى المَلَكة اللغوية العميقة للجابري، وقدرته على نحت صياغات جديدة مُستحدَثة من مفردات وعبارات مألوفة، بحيث تنسجم مع طبيعة النص الشعري الذي يكتبه أذكر منها، تمثيلاً لا حصراً، " ذات الشمال " التي أصبحت " ذات الخواء " و " الأسلاك الشائكة " صارت " شائخة " فيما تحولت عبارة " ضيق ذات اليد " الى " ضيق ذات اللغة ". كما تجدر الإشارة الى براعته في " ثنائية الأنسنة والجمْدنة " كأن " يجعِّد جلد البرتقالة " مؤنسناً إياها، بينما " يُجمْدن " " شُرُفات العين " في مكان آخر. تشكِّل قصيدة " عابر وطن " من وجهة نظرنا بؤرة للنصوص الشعرية، والمدار الذي تتمحور حولة الثيمات الدرامية الأُخَرْ. فالشاعر، أو الكائن السيري في هذه السيرة الذاتية- الشعرية لا بد له أن يعبر جسراً لكي يحيلنا الى " فاجعة جسر الشهداء " متسائلاً في الوقت ذاته: " كم جسراً يلزمنا للشهداء..؟" وحينما يجتاز الفرات لا بد أن " تنغرس قدماه في رماد النهر " فالفجيعة واحدة في كل البلاد التي تعض على جرحها منذ ثلاث حروب. ليس المهم من أين يهرب الشاعر، أو الى أين ينتهي به المطاف؟ فالغربة واحدة " والمنفى مهنة شاقة " بتعبير محمود درويش، لكن مكمن الغرابة في هذا النص الدرامي أن " المرأة التي تقطعّت بها سبل الضوء، مضت تبحث عن النار في رماد أبنائها! ". وربما تكون قصيدة " بلاد تضيق بأهلها " أنموذجاً محزِناً للتيه العراقي يدحض ما قاله الشاعر عمر بن الأهتم " لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها / ولكن أحلام الرجال تضيقُ " فنحن فعلاً " بلا أمهات / نكبر ../ ثم نلقي السلام على الشرطي الأخير/ىونخترع المراكب / والبحر / والقبطان / نسرج ما تبقى من الخيول الهزيلة / ونبتعث مدنا مهادنة. " فلقد مللنا دوي القنابل، وأزيز الرصاص، وسئمنا من " تحية العلم " التي تبدأ بـ " لاحتْ رؤوس الحراب ". فلا غرابة أن نحمل خارطة الوطن ونمضي صوب المنافي النائيات حيث تواجهنا دهشة السؤال المر " أيها الناجون من بلاكم. . / الى أين المفر؟ ". نستخلص من هذه القراءة النقدية أن الشاعر الجابري قد إتخذ من نفسه أنموذجاً للكائن التائه، المنفي، الذي شابَ منه الشراع، " وهو يبحر مثل جذع يتيم " في عُباب بحر الحياة القُلَّب. ويمكن تسميته بالكائن " الضَلُول " أو الضليل الذي جار عن الطريق، ولم يهتدِ بعلامات دالّة ترشده الى يقينه. فالخروج من بلاد النهرين يقترن باليأس، والمتاهة دائماً، والحنين الأبدي لهدهدة الأم، ورائحة المنزل، وعبق الذكريات القديمة على مرارتها، لذلك يُختصر المنفى بغرفة محكمة الإغلاق، يُطل الشاعر من خلال نافذتها الوحيدة " ذات الستارة السميكة، والزجاج المظلَل، والشبك المعدني " على العالم، لكنه لا يعرف كيف يومئ للعابرين؟ ولا يعرف إن كان هو باقٍ على قيد اليقين؟ ولا يعرف كيف ستصعد روحه الى بارئها خلل الزجاج المظلل والغبار الكثيف؟ بقي أن نقول إن ما يميز أسلوب الشاعر هو بلاغته، وكثافته، وعمق مفردته المجازية وكأنه يتسقطر عسل الكلام على رغمٍ من هيمنة الحس التراجيدي الذي يغلِّف مجمل نصوصه الشعرية التي تترجح بين ثنائية الوطن القرمزي والمنفى الرمادي.


القدس العربي

عبود الجابري: عابر وطن يفهرس الأخطاء

عبود الجابري: عابر وطن يفهرس الأخطاء

هدية حسين

الى أين تمضي أيها الشاعر الرحالة الذي لا يكف عن اقتراف الخطايا في الكلام ؟ يحمل زاداً لا يغني من جوع ، وعصى لا تعرف خطى الطريق متوهماً أن يستدل بها التائهون ، يحمل خارطة لوطن نثر أحزانه على خرائط المدن الغريبة وفقد ملامحه ، يحمل تذكارات لأمهات أخذت الحروب أبنائهن ، يحمل جراحاً ويقعد على الأرصفة لعلّ أحداً يشتريها ، يزعق بالسؤال : الى أين المفر ؟ لا أغنية تستلّ من جسمك بقايا الندوب ، لا أم ّ تهدهد سنينك الشائخات ، لا أحد يأتي إليك من هناك . أيها الجوّال احمل عدّتك - هذه الأخطاء - التي فهرستها في كتاب وواصل تجوالك إذ لا عاصم لك أو لنا غير هذا الكلام المدبّج بالحنين ، الممهور بالشجن ، المغمور بشمس لا تشرق من الشرق . إنها خارطة متهرئة ، تماماً كما قلت على الصفحة الأربعين من كتابك الموسوم ( فهرس الأخطاء):
نحمل الخارطة المتهرئة
ونمضي
باتجاه كرة أرضية
جميع ما فيها ينثر علينا أسماله
والسؤال المعتق
بلسان عربي مبين
أيها الناجون من بلادكم..
أين المفر؟
**
منذ كم من السنين حملت المنافي ؟ منذ كم من السنين توسّدت المتاهة ؟ منذ كم وأنت تخترع مراكب الرحيل ؟ والرأس صار أبيض من ثلج الغربة ، وفهرسك يناسل الأخطاء ، وصوتك المشحون بمواويل الجنوب لا يسمعه أحد ، وتنكر خطاك الطرق المزحومة بالنساء ، منذ كم ، وكم ، وكم ؟ والأمهات يهدهدن الدللّول بعيداً عن مهود أطفالهن دون أن يدرين أنهم صاروا شيوخاً في أقاصي الدنيا ؟ بلا أمهات
نكبر..
ثم نلقي السلام على الشرطي الأخير
ونخترع المراكب
والبحر والقبطان
نسرج ما تبقى من الخيول الهزيلة ونبتعث مدناً مهادنة
ومواقيت صلاة
من ساعة معطلة في سماء بغداد
ليس لنا
سوى العمر الذي لا يأتيه النوم
من بين يديه
ولا من خلفه
نحمل ما دسسنا في جيوبنا
مما لم تأكل الهوام،
**
قصائدك ماهي إلاّ ( أسلاك شائكة ) ، ( على مشارف التأويل ) في ( بلاد تضيق بأهلها ) فتأخذهم ( المتاهة ) باحثين عن ( أسانيد مهملة ) وأمهات وشوارع تحمل أسماءهم أو تتحمّل وقع خطاهم ، حاملين ( صورة الأب ) الذي يقبع في غرفة المخزن الرطبة لعلّ ( احتمالات ) الأغاني القديمة تعود به الى هيبته الأولى . الى أين تمضي بتلك القصائد أيها الضلّيل الذي ينثر علينا رذاذ أخطائه وأحزانه ؟ لا جبل يعصمك من طوفان الحنين ، ولا نار تدفئ شتاءاتك الطويلة ، ولا وطن يتذكر وجهك ، أنت نفسك اعترفت على الصفحة 19 من فهرس الخطاء:
في الطريق الى وطني
ما تعوّدت أن أنتشي
ويغني سواي
كنت دوماً شهيداً
وكان الزمان صداي
**
ولم تكن أمك معك ، ولا الأصحاب ، ولا الأحباب ، ولا الدروب التي شهدت طفولتك ، ولا المدارس التي تنقّلت بينها حاملاً علامة فقرك الفارقة ، ولا زوارق دجلة ولا نواعير الفرات ، ولا الوطن الذي ( مدّ على الأفق جناحه ) ولم تلُح لك ( رؤوس الحراب ) ولم تُفتح لك نافذة ولا باب .. أنت وحدك تحمل وزر خطاياك وتمضي في السهو دونما دليل ، تلطمك رياح الحنين حتى تشيب خطاك على الطريق ، ولا بريق يضيء لك العتمات ، وتذوي رؤاك فلا ترى وجه أمك الموشوم بالحزن المعتق .. أنت وحدك يا سيد المتعبين من لا يتذكره أحد فالذاكرات احترقت مدوّناتها ، والأصدقاء رحلوا منذ زمن بعيد:
يسقط الأصدقاء القدامى
من جيوب المحبة
تحت ذريعة ضيق الوقت
يسقط الوطن من الخارطة تحت ذريعة النوم في المخابىء
والاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب
يسقط المطر
بحجة نحول الريح
تسقط الأغاني..
على لسان الأخرس والشمس في عيون الأعمى
ونحن أيضاً
نسقط كل يوم في البئر ذاتها
ولا يتبعنا
سوى صدى أصواتنا
ونحن نهتف
يسقط ال ....
يسقط ال ....
يسقط يس ....
ي......
**
ترى ، هل كنت سادراً في الوهم أكثر مما يجب حين دوّنت الأخطاء حالماً بتصويبها حين تعود ؟ الى أين تمضي ؟ لم تعد مدينتك كما كنت تعرف وتقرأ بذاك الاتساع الحلمي ، لم تعد شابة تغوي العابرين ، لقد شاخت ، تقعّرت ، تحدّبت ، تصدّعت ، تجعّدت من كثرة الندوب ، ضاقت بأهلها وأصبحت مثل خرم الإبرة ، بينما أنت ما تزال تغزل في نأيك خيوط المحبة وفرحة اللقاء بخيوط هلامية . أنت لست أكثر من عابر وطن لا يره إلاّ في خاطر الذكريات يتوهم في الصدى صوتاً يدلّه على الطريق:
يعبر دجلة..
يده مروحة معلقة في كتفه
وعيناه تسيران على الماء
توقدان نار الأسماء المفجوعة بحروفها
ياه .. يا للموقد المقدس
فاقتنص شرارتك الأخيرة
وامض الى حيث يموت أسلافك من البرد
وحيث تموت أسراب النمل على خيط من العسل
المعلّق .. بين دجلة
وجسر الشهداء
كم جسراً يلزمنا للشهداء؟
****************
فهرس الأخطاء . شعر . عبود الجابري . أزمنة للنشر والتوزيع . عمّان.

الصباح الجديد

الشاعر يفلسف الاخطاء النبيله بعنايه

الشاعر يفلسف الأخطاء النبيلة بعناية
__________________________________________________________
منذر عبد الحر


عن دار أزمنة للنشر والتوزيع في عمّان صدر للشاعر العراقي عبّود الجابري ديوان شعري جديد يحمل عنوان ( فهرس الأخطاء ) يضم ّ خمسا وعشرين قصيدة سبق للشاعر الجابري نشر بعضها في الصحف والمجلّات الأدبية , والشاعر عبّود الجابري مقيم في الأردن منذ أوائل تسعينات القرن الماضي , ويعدّ من أهدأ الشعراء العراقيين ومن أكثرهم زهدا بالأضواء والنشر , اضافة الى صدق همه الشعري وصفاء تجربته التي جعلت منه شاعرا متميّزا يمتلك صوته الخاص وتجربته الثرّة الغنيّة التي أنجبت في ما أنجبته قصائد الديوان الجديد الذي بين أيدينا , والفكرة التي انطلق الشاعر منها في اهاب هذا الديوان والمعتمدة على ( أنسنة ) الخطأ – اذا صح ّ التعبير – هي فكرة اعتبار هذا الخطأ اعترافا انسانيّا باذخ الحضور وهو يجسّد علاقة الفرد مع بيئته ومع تجربته ومع خلاصات حياته التي أطلقها بوح قصائده وهي التي تتميّز بموسيقى منسابة بحرفيّة عالية , ولغة صافية , ومفردات موحية معجونة بالغربة والألم والحياة المضمّدة , اضافة الى تمتّع هذه القصائد بتشكيل جماليّ يتّضح في عدم الاصغاء الى نسق ثابت في سياق القصيدة قد يكون هذا النسق مملا , لذلك يولّد الشاعر من قصيدته تشكيلات لها أسئلتها الخاصّة ودلالالتها التعبيريّة والفنيّة الهامّة من خلال بناء القصيدة بهندسة تتضح بالاطار العام المرسوم للنص ثمّ توليد الملحقات التي تمنح النص الشعريّ أبعادا مضافة , ونلاحظ ذلك في عدد من القصائد منها ( الضليل ) التي تقدّم لنا أنموذجا للقصيدة المركبة في شكلها حيث تتولد فيها الرؤية التي تستند على احاطة واعية بالشكل المقترح بعيدا عن الفذلكة والتكلّف والادعاء يقول الشاعر في قصيدة ( الضليل ) ص 10 :
" سترين على البعد ... نصف الشراع المهلهل
هل قلت نصف الشراع ... ؟
ولم أستطع مدّ أرجوحة في الهواء المعلّق بيني وبينك
هل كان بيني وبينك محض هواء ... ؟
رداء من الخز يستر عوراتنا
وتواريخ محمولة في الحقائب
لم أنتبه لقبائل شعرك , حين كتبت الليالي على جثّة اللوح
كنت وحيدا
وكانوا ......
........؟ !!!! "
ثم يطل الشاعر بعد مقطع مماثل ثري بالتعبير الشعري المبدع الى مفصل آخر من مفاصل بناء نصّه ويعطيه عنوانا ثانويا هو " سوانح من ضمن المتن " وهي عبارة عن جمل شعريّة تجسّد رؤى وأفكارا تخرج عن القصيدة لتدور في اطارها في معادلة فنيّة محكمة البناء والأداء الشعري .
وبعد هذه السوانح المركزة السريعة يطل علينا عنوان ثانوي جديد وهو استدراك يقول فيه الشاعر " :
لم أكن نائما عندما أذن الموت في بلدي
.. كنت أسعى لتأجيل قنبلة
تطفيء الروح في جسدي "
و بعد هذا الاستدراك الواخز ينهي الشاعر قصيدته بملحوظة جاء فيها : متن القصيدة محذوف لأسباب تتعلق بضيق ذات اللغة , وهو نوع من أنواع الايهام الفنّي الطريف المشاكس يحمل منحى جماليّا وتأويليا خاصّا .
ومن النقاط المضيئة التي تمتاز فيها قصائد " فهرس الأخطاء " استخدام الشاعر لجمل وتعابير مألوفة في سياقها العام , لكنه يكسرها بمؤدى تأويلي آخر عن طريق توجيهها لغويّا وبالتالي اعطاءها بعدا جماليا آخر مثل " يقلب كفّيه ذات اليمين ... وذات الخواء " ص 9 , أو " تسعين بين الصفاء ... وبين المرارة " من قصيدة " أمي " ص 23 , أو " أسلاك شائخة " عنوان قصيدة ص 28 , أو " أتسلّقه ... حلما ... حلما " ص 29 , أو " عابرو حياة " ص 43 , أو " أطلس حافل بتضاريس الحنين " ص 53 , أو " يسبلون متاعبهم " ص 56 , أو " عابر وطن " ص 57 , أو " منذ ثلاث حروب " ص 61 , أو " ناصية الليل " ص 64 , أو " أقود قطيع انكساراتي " ص 65 , أو " تعثّرت بفكرة " ص 68 ... الخ من المفردات التي تحرف اللغة عن دلالالتها المعروفة الى صياغات واستعارات شعريّة جديدة .
والجانب الآخر الذي يؤديه الجابري في ديوانه الجديد هو اطلاق العبارات المكتنزة الخارجة عن اطار سرديّة النص وهي عبارات حادة تفضي كلّ منها الى موضوع منفصل لغويّا واشاريا , لكنّه متصل في نسيج النص الذي ينتمي اليه فنّيا ., وحتى النقاط والفراغات التي اكتظت بها القصائد لها وقعها الخاص وتعبيرها الدال على الرؤية الشعرية الناضجة لدى الشاعر , يقول الشاعر في قصيدة " تماما كما حدث " – وهي قصيدة مركبة تبدأ بنسق سردي ثم تذهب الى التقطيع والعناوين الثانوية - , اذ تبدأ :
ما حدث لاحقا ...
أنه راح يجمع بقايا المدن المنهكة ... !!
خارج السور ...
يقفل أعضاءه
ويفتّش عن السماء ..
السماء التي لم يرها منذ زمن بعيد
فاتهم جسده بالانحناء
وعينيه بالعمى .
وبعد الانتهاء من هذا المقطع ذي الفضاء المعتم الحاد تخرج القصيدة الى عنوان ثانوي هو " في المنعطف الأول " يتضمن ومضة ترصد حالة صورية " :
رجل بذاكرة عارية
يثقب جيوب بنطاله بيديه ..
يتحسس الماضي
ثم يلوذ بخساراته "
وبعد هذه الومضة يضع الشاعر تحت عنوان آخر جديد هو " هكذا " الجمل المركزة التي أشرنا اليها ومنها " سيقلّم أظافره ليستغني عن مشطه الأدرد " .
فيما يجنح في نصّه الفنّي الى تبني أسلوب تشظّي الشكل في القصيدة الواحدة من خلال عنوان دال على هذا التشظي وهو " ملصقات " وهو عبارة عن مقطّعات شعريّة منفصلة أو قصائد قصيرة تتمثّل حالات انسانيّة والتقاطات حياتيّة طريفة وقد ضمّها الشاعر باطار مقترح هو " ملصقات " ومنه " نرجسيّة " :
لأن صوته ...
يشجيه في الحمّام
راح يحدّث الجلاس عن محاسن النظافة " .
أما قصيدة " أسانيد مهملة " ص 21 , فهي تبدأ بتضمين قرآنيّ نجح الشاعر فيه بالدخول الى أجواء قصيدة حادّة الخطاب لغة وموضوعا " :
سواء علينا .. أكنّا نقلّم أظفارنا ..أم نحك بها الريح
ليس لنا غير أنشوطة لاقتناص المواعيد "
أما قصيدتا " أمي " ص 23 , و"صورة الأب " ص 49 , فهما قصيدتان ذاتيّتان جميلتان تنسابان بلا تعرّجات أو تشكيل فنّي يخالف انسياب البوح والشجن , فقصيدة " أمي " أنشودة بوح ولوعة واصغاء كلّي لهذا الكائن الفذ – الأم – وهي تمثّل طمأنينة الدنيا في عالم متشابك من الاحباطات والخوف والقلق والارتباك الذي يعيشه كلّ منا في عالمه المخبوء في تراكض الزمن الغريب باتجاه المجهول المفزع , أما قصيدة " صورة الأب " فهي أقل أنينا لأنها تحمل أسئلة وذكريات وخطوات كبرى باتجاه عالمنا الذي نحياه .
وبعد فديوان الشاعر المبدع عبّود الجابري اضاء جديدة في خارطة الشعر العراقي الحيوي الحيّ , نبارك لصديقنا الجابري عليها ونتمنى له المزيد من الابداع والتألق .

جريدة الزمان
تشرين الثاني 2008

عبود الجابري في فهرس الأخطاء : متفق مع ذاته ومختلف مع الآخرين في قراءة الأثر

عبود الجابري في «فهرس الأخطاء»
متفق مع ذاتِه ومُختلِفٌ مع الآخرين في قراءة الأثر
_____________________________________________________
نصر جميل شعث

الشاعر العراقي عبود الجابري، برغم كونهِ ممسكـًا بزمام القول الشعري، ومتمسّكـًا بالقصيدة، دون غيرها من الأجناس الأخرى، إلا أنه لم يصدرْ طوالَ تجربته وخبرته الممتدة في وعي ومذاكرة القصيدة وشروطها الجمالية؛ سوى مجموعة شعرية وحيدة، لغاية الآن، بعنوان «فهرس الأخطاء»، والتي صدرتْ صيف، 2007، عن «دار أزمنة» بعمان، وضمّت خمسًا وعشرين قصيدة، هي نتاج عقدين من الزمن ويزيد. إذ قرّر الجابري أن يضعها في كتابٍ يوقعّه، الآن، بعد صمتٍ طويل، بعنوان مُتداولٍ ومستعمل، أي مُجرّب في توصيل الرسائل والتوضيح من لدن المرسل إلى المتلقي.
وقد أراد الشاعر بهذا الاختيار للعنوان بوصفهِ كشافـًا للأخطاء؛ أن يلقي الضوءَ على كلّ ما صمت عنه طيلة عشرين سنة، ورآه في «مرآةٍ تقطعت بها سبل الضوء».
حيث نلمس القدرةَ لديه على التقليل من احتمالات الخطأ في تأويل المنزل والنافذة، بقدر ما نلمس تخفّفه من تعب الإشارة وحريتها الطائشة في فضاء اللغة التي تحرّض السياسة على نحت مصطلحات مراوغة وخطيرة، مثل «الفوضى الخلاقة» المنتجة للمتاهة والأخطاء. وبذلك يتفق الجابري - إذ يتّجه إلى القارىء بما يعنيه من أخطاء وأسى- مع الشاعر العراقي طارق الحربي الذي كان أرسل «إلى القارىء»، في مستهلّ مجموعته الشعرية المعنونة بـ«حرب 80»، رسالةً صفّها بشكل عمودي، قال فيها للقارىء: «أنا/ حروب/ طويلة/ لا يعود/ فيها/ أسير/ ولا تنتهي». ومنذ عنوانه المتداول والعامّ؛ يحدّد الجابري موضوعه الذي يشترك في تداوله الشعراء العراقيون.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يتفق شاعرٌ كطالب عبد العزيز صاحب ديوان «تاريخ الأسى»، وشاعر كطارق حربي صاحب ديوان «حرب 80»؛ مع عبود الجابري، في توقيع العناوين التي تشكل بوّابات عريضة وعامة، وموازية، في تفاصيلها لـثقل وقع الأحداث ونشرات الأخبار، ذات المادة الرقمية الجاهزة والمتصاعدة. الشيء الذي نلمسه في قصائد عبود الجابري التي تحتقب التاريخ والطابع العراقيّ في حقيبة شعرية متينة ونوعية، يشغلها الشاعر بمعالم وتذكارات وصور وليال ثقيلة وذاكرة محمّلة بالماضي، كما يكتب في قصيدة «الضليل»:
رداءٌ مِنَ الخزّ يَستر عوراتنا
وتواريخ محمولة في الحقائب
لم انتبهْ لقبائل شِعرك.. حين كتبت الليالي على جثة اللوح
كنت وحيدًا
وكانوا …..
……………… ؟!!!!
هذا المسكوت عنه، الذي يلي «كانوا… »، الآن، يشير له الشاعر في قصيدة بعنوان «بطولات» بقوله: «لي/ في احتشاد الرواة/ لسان صموت/وأذن أجفّف فيها الكلام». إذ يتّسع ما بعد «كانوا… » لاحتشاد الرواة والأخطاء. و نجد، في هذا الفراغ، مكانـًا واقعيّا للأسئلة ولقصيدة قصيرة بعنوان «وجهات نظر»؛ فيها يعبّر الشاعر، بأسى الساكت إزاء المشهد العراقي - الذي يراه الجميع- عن دموية الاختلاف والخشية المتبادلة بين المختلفين:
هو يَرى أنّ قدمي..
تنسلّ تحت دمه..
وأنا أرى أنه يدوس قدمي..
كلانا يخشى خطوة الآخر..
هذا الشكل من أشكال الاختلاف المأساويّ في «فهرس الأخطاء» أو المكابدات العراقية، يقابله الجابري بحقيقةِ كونـِهِ شاعرًا متفقـًا مع ذاته، ومع داخله المتجه للمرأة- الزوجة والأصدقاء؛ فلا تشي قصائده بتشظيه على نحو شخصي وذاتي. غير أنه مختلفٌ، مع الآخرين، حول قراءة الأثر؛ حيث يتطرّق إلى الاتفاق والاختلاف في قصيدة معبّرة تحمل عنوان «مُخلّفات»:
كنا متفقين في بداوتنا الغضه
ومختلفين حول قراءة الأثر.
(……………………)
لم نكنْ متفقين على تكسير ساعة الرمل
وإراقة أوقاتنا
ولم نكن مختلفين على نسب الخيول
لذلك وضعنا قبعاتنا
ورفعنا رؤوسنا
ومضينا
نهزأ
بما اتفق
عليه الرواة.
وعليه، يمكن اعتبار «فهرس الأخطاء»، عنوانـًا وقصائدَ، كتخطيط أوليّ لمأساة الشاعر، وذلك تحويرًا لعنوان القصيدة الأولى: «تخطيط أولي لمساء الشاعر»، والتي تعقبها قصيدة «Valentine»، وقصيدة «أغنية الشتاء» وكلتاهما تصدران عن شعور بسيادة اللون الأحمر المتعاظمه بين وحول العاشقين والأثر، لدرجة شحوب الورد المتبادل. وبالتالي، في الحزن والغربة تتخلل «الأغنية» تجعّداتٌ وتعطّلُ مصابيح شوارعَ تهاجر إلى غرف النوم، أي لجوء «غربب يموت من البرد في جنبات الفصول» لوضع رومانسي، في مساء شتائيّ وبارد. إذ ترقى القصائد لإمكانيات الصورة الشعرية الموحية والواخزة بحميميتها وبمنطق بحثها الشعري عن الوطن، لدى شاعر مغترب، يتعلّق بالتذكارات والصور.. «يعبّىءُ رأسَه بالقناطر ويبتكر الأنهار»، ويعبْر إلى وطنه مِن «صورة القنطرة المعلقة على جدار المقهى (باحثا عن الماء) ربما في غيمة متآكلة/ وربما في عطش القطيع/ يرنو إلى صورته تتكسر في التماع الطين» .. ولكنه، في قصيدة «عابر وطن»، يقول:
يعبرُ البلاد
لا من أين ؟
ولا إلى أين ؟
تلك مرآة تقطعتْ بها سبلُ الضوء
ومضتْ تبحث عن النار
في رماد أبنائها.
القدس العربي، الجمعة 9 أيار (مايو) 2008

فهرس الأخطاء للشاعر عبود الجابري- د. لؤي حمزه عباس

"فهرس الأخطاء"
للشاعر العراقي عبود الجابري
_________________________________________
د. لؤي حمزة عباس
للشاعر العراقي عبود الجابري صدر عن "دار أزمنة"/عمّان، ديوانه الشعري الأول بعنوان (فهرس الأخطاء) محتوياً خمسة وعشرين نصاً شعرياً سعى الشاعر من خلالها لإضاءة تجربة تجاوزت العقدين في مواجهة النص الشعري والاحتفاء به وهو يمضي، في حركة سريّة، من الخاص إلى العام، ومن الذاتي المنشغل بتفاصيل الحلم إلى الموضوعي في مراقبته الحرّة لوقائع الحياة وقد شكّلت مادةً أثيرة للانتقال بالنص الشعري إلى مساحات جديدة.
لم تكن الصورة في ديوان عبود الجابري "تماماً كما حدث"، ولم تراقب في تشكّلها البنيوي " بلاداً تضيق بأهلها"، لتجترح من الإنسان، المثقل والحزين "عابر وطن"، لكنها استعانت بمراجع عدة لمقاربة التجربة الإنسانية في خصوصيتها الغنيّة ومعاينة بعض من تفاصيلها، ابتداءً من السيرة الموحى بها لـ " الظليّل" وهو يقود التجربة إلى جبال مقترحة لمواجهة عملية إنتاج النص الشعري، وصولاً إلى "فهرس الأخطاء" نص العنوان باحتمالاته التي يتوزع الشاعر فيها، في نداء حميم، على الضواري العليلة:
.... اقتربي أيتها اللبؤات العليلة
لك في لحمي
فراسة المخالب
وشغف الأنياب المسنونة
اقتربي ....أيتها الضباع الحزينة.
مثلما يقترح النص تفاصيل التجربة اليومية مجالاً موضوعياً لإضاءة الفعل الشعري عبر لغة تشتق من فهرس التجربة نفسها خيار بلاغتها وتؤمّن فاعلية علاقاتها، حيث يكون النص بياناً للعلاقات الجديدة وفضاءً متسعاً للحظات شعورها البارقة، وهو يعيد، على نحو ما، تسمية الأشياء بما يُضيء مفارقة وجودها في الحلم والحياة:
حبل:
يحمل رسائل البئر إلى السنبلة
ويحتفي بالغسيل الطازج..
والرقاب الطريّة..
الأمر الذي يدعو الديوان لإغناء مساحته النصيّة بالسوانح، والاستدراكات، والإحالات، والاحتمالات بوصفها فضاءات مضافة قبل أن تكون مناورات تقنية تعزز من قابلية الحوار التي يديرها النص الشعري وهو يستجلي تجربة وطن مثقل بأعباء أزمنته.
إن ( فهرس الأخطاء) عمل شعري ينحت قدرته على لإصغاء للخفي، وغير المعلن، من الأصوات

الأحد، 4 يناير 2009

لقاء مع الشاعر - جريدة الدستور

عبود الجابري : القصيدة صراع بين ذات مكبلة بالشعر وذوات تنزع نحو التحرر



الدستور - عمر ابوالهيجاء

الشاعر والمترجم العراقي عبود الجابري من الشعراء العراقيين الذين أسهموا في المشهد الشعري العراقي والعربي ، صدر له في الشعر: أراجيز الوحشة ، فهرس الأخطاء ، وله تحت الطبع: قمصان - مرايا شعرية ، وغيوم ورقية وله ترجمات متفرقة لنصوص أدبية عن الإنجليزية ، والشاعر الجابري يقيم في الأردن منذ العام 1993 ، في هذا الحوار نتعرف على جوانب عدة في تجربته الشعرية والغنائية.





ہ لكل شاعر نقطة احتراق أولى ، متى سحبتك القصيدة إلى احتراقاتها؟



- ليست هناك نقطة احتراق أولى ، وإنما هناك شرارة كامنة تحت رماد يتلظى ، شيء ما كنت اشعر به يأخذ بالقلب حتى أعالي الحنجرة ، منذ أدركت طوابير النساء اللواتي كنّ يخترعن الإيقاع لأحزانهن في مدينتي ، منذ كنت طفلا أرى ذلك التناغم اللامرئي بين فوضى الحزن الذي كان يخيم على البلاد ورتابة الدموع التي كانت تسيل ، وقتذاك عرفت أن كائنا ما يستطيع أن يقول ما لا يستطيع أن يفعل الآخرون ، فسجدت لكينونة الشعر والشعراء الشعراء.



ہ بعد مجموعتين شعريتين ، ماذا تعني لك القصيدة الآن؟



- حتى لو سألتني - بعد عشر مجاميع شعرية ماذا تعني لك القصيدة ؟ - فستجدني ابحث عن الجواب مستريبا ، حذرا أسأل نفسي هل أنا شاعر حقا ؟ وهل يستحق ما اكتبه كل هذا العناء؟ .. أن أكابد ألم القصيدة حين أتنازل عن الشعر لصالح الحياة ، وأن تلقي بك الحياة أرضا حين تغفل عنها لصالح الشعر ، هكذا تبدو القصيدة الآن : صراع بين ذات مكبلة بالشعر وذوات تنزع نحو التحرر من الحاضر إلى الغد بأقل قدر من ماء الوجه المراق .



ہ القصيدة العراقية معبأة بالمادة التاريخية والتراثية والأسطرة: إلى أي مدى أفدت في ذلك في شعرك؟



- التاريخ والتراث والأسطورة ، جميعها مكونات أساسية للطين العراقي ، وحديثا تكونت لدى العراقيين صور استثنائية خارقة لتاريخ مخضب بالحروب التي لا تنتهي والدم الأخضر النافر من بين أصابع أيديهم التي تتصافح ، وصارت لهم أيضا أساطير معاصرة ، أكثر ميتافيزيقية من الأساطير التي توارثوها عن أجدادهم ، وأنا حبة تراب من طين العراق ، والقصيدة عندي دائما تحمل إحالاتها إلى ذلك الطين ، لدرجة أني حين أحاول كتابة نص ذاتي أجد دون وعي مني أن تلك الذات قد انحرفت صوب ما تشظى داخلها من شخوص التراث وتجلى ذلك في المرايا الشعرية التي أسميتها - قمصان - حيث حضرت فيها المدن وظلال الطغاة وصور أولى العظمة في التاريخ .



ہ كيف تنظر إلى القصيدة العراقية في ظل الاحتلال ؟



- لقد كرس الاحتلال لدى العراقيين انشغالا يوميا بالموت وتفاصيله اللامعقولة ، فصارت القصيدة تتغنى بما هو مفقود من جزئيات الحياة ، وذلك في اعتقادي أمر خطير ، رغم أنه يؤدي إلى إنجاب نصوص لها تأثير فني مغاير في تاريخ الشعر العراقي ، فصار للقصيدة العراقية عدة مشاهد : مشهد المختنق الذي يحاول أن يغني ، ومشهد المتنفس الذي يغني على (ليلى) غريبة لا تشبه العراق ومشهد آخر يمثله من حملوا تأريخهم ومضوا يحاولون تجميل السواد الذي اعترى صفحاتهم حين كانوا يمسكون بتلابيب الثقافة في العراق .
Date : 24-12-2008

الجمعة، 2 يناير 2009

فهرس الأخطاء

فهرس الأخطـــاء





إلى مطر السنوات العجاف شادية أبو عماشة











تخطيط أولي لمساء الشاعر


مساء..
سيقعي المساء على أربع ثم ينجب أيتامه
يقلب كفيه ذات اليمين.. وذات الخواء
مساء يفيض به الريش
يستمنح الخيزران المدى
ثم يذعن
إما تلونا عليه دما أفرغته القرابين من سكره
أو رسمنا على ظله وطنا
ترعف الريح أحزانه
.........
...........
هل ستكفيك عشر أصابع..
تحصي بها ندوبا
في ظهور ملائكة ذابلين....؟؟؟؟









Valentine


بيننا....
ما لن يكون
زقزقة مبحوحة
وعصافير تؤمّ أعشاشها
خالية الوفاض
بيننا....
ما ينسدل من قرطيك
على شرفاتِ عينيّ
وما ترثُ المقاعدُ
من قميصك
ربّما... هدبٌ تساقط من عينيك
غداة اكتحلتِ...
أو خيط يهرب من شالك الذهبي
بيننا....
شحوب الورد...
بانتظار حمرةِ الربيع المؤجل
منذ ثلاث حروب....
فلا تحزني....
كلّ شيء حولنا أحمر....
عيون الأمهات....
ونشرة الأخبار.....
والشفق الذي كان قرمزياً....
..... حولنا الرمل .....
الذي تتقاذفه الريح....
... قلم الخليفة.....
وأيدي العمّال في أقاليم البلاد
الذين يفركون عيونهم... سأماً....
ولا يدركون
أن المرايا تلونها العيون....
أحمرٌ..... كل ما حولنا
فلا تحزني....
ثمة أنت...... وأنا....
وترابٌ احمر....
تلوذ به
وردةٌ ....حمراء
تنتظر ارتعاش يدي
وشحوب......
الرصـ........................................................ـاص.


14/02/2007







أغنية الشتــــاء
ـــــــــــ



الشتاء ثانية ...؟
لكأني ابحث عن دثار من النار
او حفرة في تراب المدينة
كي تذوب الدبابيس
التي انغرست في أصابعي
فهذا شتاء لا يعرفني
لذلك..
تقشعر النوافذ فيه
وتصطفق أبواب الرغبة
في نار دافئة
تسكن أضلاعي
وتذيب الثلج المتراكم في منعطفات الروح
شتاء لا اعرفه
يجعد جلد البرتقالة
ويفرح بانجماد الضوء في المصابيح
, ريح تمعن في مديح الغبار
وشوارع تهاجر الى غرف النوم,
وسماء تفتش جيوب السحاب
, وغريب يسافر
في هشيم العناق على لهب المدفأة
وانحباس يديه في يديك
وتكاثف الظلال في المرايا
.... غريب
يموت من البرد
في جنبات الفصــــول


المتاهة



إلى الشاعر سعدي يوسف




لم يكن يتقن لعبة المتاهة
اخطأ في رسم الحبل
فسقط في بئر من الخرائط
وتدلت فوقه
أسماء المدن العتيقة
والبلدان التي تنفر من رائحته
لم يصفق ..
خشية أن يجرح مسامع اليمام
ويخدش كبرياء عشب
ينمو بين أصابعه
هو متاهة آخرين
ودليل الإبل التي تمضي صوب البيادر
لا يحمل بين فكيه
سوى لسانه الأسود من فرط البطالة
وآية الكرسي
وحروف أتعبه رسمها على الجدران الناشرة
وهو لا يحمل في جيبه أيضا
سوى ورقة عدم المحكومية
وإذن خطي
بالاحتفاظ بآية الكرسي
وهو متفق مع ذواته
حد انه ينام على ذراع زوجته
ويقرأ موجز الأخبار في عيون بنيه
وهو مقتصد بحلمه
يرى الشمس عنقودا من المصابيح
والقمر ثلاثين هلالا
ويرى في السنة الكبيسة
يوما آخر
بلا رصيف لين.....
...........
هو إذن .. متاهة نفسه
وحيرة العابرين على جسده
تشرب وجهه الشوارع
والمقاهي
والمخافر
والأسلاك الشائكة
.. ودكاكين الكلام
وهو بلاشك ..
من الرواة الذين يؤثرون النهايات المفتوحة
ولديه من النهايات
مالا يجد له بدايات في ذاكرة الهدهد ؛
- نهاية الرأس بين يدي الفكرة
- نهاية الشراع عند الانقلاب الشتوي للصحراء
- نهاية القبلة لدى سماع أذان الفجر
- ونهاية الحبل المرسوم في المتاهة
.........
غير انه هنا
يبحث عن نهاية أخرى
_ يحلم أن لاتكون مفتوحة جدا _
لبداية نحتها الرواة في صحاحهم
واشتعلت في المتون
وطنا ,,
يأخذ شكل المتاهـــــــة ...


عمان
18 /12 /2006









بطولات

ومهما يكن ...
فانا سيد المتعبين
اذا أقفرت من رفيق ذراعاي
لي حين يحصي المرابون أمجادهم
والمراءون آمادهم
_ مطر عالق في سقوف الغمام
وسيدة ,, صرت اخصف أحلامها
عندما انحت النوم
في مخلب الليل
لي
في احتشاد الرواة
لسان صموت
واذن اجفف فيها الكلام












تحّولات الغرفة


في الصباح ,,
دم الصمت اخضر
والباعة المتجولون يمدون أصواتهم
_ يا لهذا الصدى _
ثمة امرأة تتسلى بتقشير أغنية في الممر المجاور
,, يصحو,,
يقشر سيجارة ,, ثم يحلم..
,,, تسعل ,,,
يطفئ صورتها وينام

******
في المساء:
_قليلا من الصمت .. لو تستطيعون كي أتبين ما سيقول المذيع
• مجلس الأمن.... ؟
- هل لدينا من الخبز ما نتعشى به ... ؟
- ربما تمطر الآن في قريتي ....
- لا علاقة لي بالقصائد والشعراء...!!!
- أراها فتبتسم ...
- الحرب.... ؟
- دعنا من الخوض في مثل هذي المواضيع..
- ثم انك تفرط في الشرب.....
- لو يغسل البعض أقدامه قبل أن نغلق النافذة ...

#######
عند منتصف الليل ..
يغدو الجدار مشانق للحلم والأردية..
المنافض ملآى بما أطفأ الساهرون من الكلمات..
... يرى في تقاطيع أجسادهم ..
ما تبقى من الخوف
قد تتدلى من الانتظار أعنتهم
فيولون أعينهم
شطر همهمة في المقاهي .. وتلويحة للبلاد
ولكنهم فتية طيبون
يداهمهم في الليالي سبات الرضيع
وآيتهم عندما يسبلون متاعبهم ..
أنهم ربما ..
(( يصبحون على وطن )) +

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محمود درويش




خلل طـاريء



ليس الأمر على هذه الدرجة من السوء
فأنت تملك من الوقت
ساعة حائط مريضة
وأهداب امرأة
تتسلى بتدخين أيامك المغلولة إلى يدها
تملك الأرض كلها
عندما تقشر نشرة الأخبار
ولك من الجغرافيا
أطلس حافل بتضاريس الحنين
ولديك ورق ابيض
متأهب للبكاء
ليس الأمر سيئا كما تظن...
فمادمت قد أنفقت يديك
في التصفيق للمهرجين
وراسك
في التلفت صوب ما تبقى
من حبال الأرجوحة
مادمت تغرق
وأنت تعرف أن قاع البحر
ليس قريبا كما يجب
وانك لاتملك صندوقا اسود
يمكنهم من معرفة الجمل الأخيرة
فإنهم
سيحمدون الله كثيرا
عند العثور على شظاياك
ويكتفون بالقول
إن الأمر
لم يكن على أية درجة من السوء




عمان /2004















عابر وطن






يعبر دجلة..
يده مروحة معلقة في كتفه
وعيناه تسيران على الماء
توقدان نار الأسماء المفجوعة بحروفها
ياه .. يا للموقد المقدس
فاقتنص شرارتك الأخيرة
وامض إلى حيث يموت أسلافك من البرد
وحيث تموت أسراب النمل على خيط من العسل
المعلق .. بين دجلة
وجسر الشهداء
كم جسرا يلزمنا للشهداء..؟؟
اقتنص موتك المبارك
حيث دجلة والماء
و ظلال الزورق الأخير
@@@@@@@

يعبر الفرات
تنغرس قدماه في رماد النهر
فيبحث عن الماء
في صورة القنطرة المعلقة على جدار المقهى
ربما في غيمة متآكلة
وربما في عطش القطيع
يرنو إلى صورته تتكسر في التماع الطين
وينصت إلى ما ترك الصيادون على الجرف من أغنيات
يعبر الفرات
ركبتاه تغوصان في قيامة النهر
.. السمك النافق
والنوارس اليتيمة
والصدى في الجرار الفارغة
يعبر الفرات
رأسه يغطس حتى القرارة
لكنه لا يستغيث
@@@@@@
يعبر البلاد
لا من أين ؟
ولا إلى أين ؟
تلك مرآة تقطعت بها سبل الضوء
ومضت تبحث عن النار
في رماد أبنائها



مخّلفــــات





إلى / الياس فركــوح




متفقون على مرآة واحدة
نخدشها بوجوهنا..
ونسكب عليها بيا ض أسناننا
ونمد ألسنتنا..
هازئين بما اختلف عليه الرواة..
......
نرفع قبعاتنا وننحني
كي تمر الريح بسلام
ونعتذر عن الترنح في شوارع طفولاتنا..
لماذا تبدو الشوارع محروثة....
والنهر احمر....؟
-لماذا يكتب العابرون أسماءهم
على سور المدينة..
أو على ما تبقى من جذوع الأشجار......؟
…………
كنا متفقين أيضا
على حذف هوامش التاريخ
وتسمية الوليد القادم
- والوقوف عمرا كاملا

تحية لأرواح بعض أجدادنا


............

غير أنهم كانوا يجادلونني
حول الدمعة التي لم تصل بعد
وحول خفقان قلبي الصارخ
عند تصفح جواز السفر

....................




من اجل ذلك
وهبت لساني مئذنة للدعاء لهم
وأطلقت ذاكرتي للريح
وغنيت على ليلاى
...........
فمنذ تحية العلم الأولى
وأنا ارسم السما ء بلون الدم
واترك البياض لا سماءهم
واضع يدي على قلبي حين يرفرف
عند تراقص الرياح
.. أضع قلبي على يدي
لكي اعد المسامير التي علقوا عليها عناوينهم
- بضعة رجال..
وغيمة ظللت حبل الغسيل
فنسيت أصابعهم مبتلة على قميصي

لذلك
كنا متفقين في بداوتنا الغضة
ومختلفين حول قراءة الأثر
مثلا//
**اثر القنبلة: بئر من الأجساد . أو نكاية بالدلو المعلقة على النافذة.
• ** اثر الدبابة // حتى نعرف لماذا يبدو الشارع محروثـــا



*** تاريخ القبيلة// الناس هنا عابرو حياة.
لذلك يكتبون أسماءهم على أسوار المدن أو على جذوع الأشجار..

**** تعريف الحرب///
الحرب لون النهر الأحمر
أو دم الكتب التي رحلت صامتة
وظل حبرها عصيا على الذوبان

...........
.....................

لم نكن متفقين على تكسير ساعة الرمل
وإراقة أوقاتنا
ولم نكن مختلفين على نسب الخيول
لذلك وضعنا قبعاتنا
ورفعنا رؤوسنا
ومضينـــــــــا
نهزأ
بما اتفق
عليـــــه الرواة








ملصقات



متصاب
--------
لم يعد يتسلق أيامه
ليطل على حلم أهمله
.. حافيا .. يقتفي طيلسانا ترجل عن عمره
ويغني…
فتسقط – در داء –
من بين فكيه أغنية
لا تطيش لها أذن سيدة
كي يعانق آخر إبحاره .. أوله ..





نرجسية
______

لأن صوته .. يشجيه في الحمام
راح يحدث الجلاس
عن محاسن النظافة


ارق
____

لاينام على ظهره
خوف أن يبصر النجمة الآفلة
لاينام على وجهه
خجلا من مصابيحه الناحلة
.. تسكن الأرض خاصرتيه نزيفا
فيبحث عن نومه في ركام هواجسه
وينام….
لتبرد في صدره
طلقة قاتلة..




تجريــــــــد
_______

حين فرطت ضحكتها
في إناء الكلام
احرق الشعر تيجانه
واكتفى بالهيام


تشرذ م
____
للشتاء يخبيء دفء العناق
للعناق ..
يخبيء برد الشتاء
حين عاد .. ليجمع ما خبأه
لم يجد وطنــــــه …





الطريق
_____

لكي تخون ألمملكه..
لا بد ان تصحو على غنائك الجراح
وتختبي في كل جرح .. ملكــه


تبريـــــــر
_______

منذ عامين .. كانت تحاصر غلواءه
وتسير معه
كلما لمحت في قصائده امرأة
سألت : هل أنا في الرؤى ألمزمعه ..؟؟
فيجيب : أتهدى القصائد سيدتي ..؟
كيف يهدي امرؤ لا مريء وجعه …؟؟؟





مواطنــــــة
_______

في الطريق إلى وطني
ما تعودت أن انتشي
ويغني سواي
في الطريق إلى وطني
كنت دوما شهيدا
وكان الزمان صداي








أسانيد مهملة



سواء علينا..
أكنا نقلم أظفارنا.. ام نحك بها الريح
ليس لنا غير انشوطة لاقتناص المواعيد
_ ما قاله الغجري انتبذنا به ذيل أغنية
واقتفينا حداء القوافل
كانت قراطيسهم وطنا..
والهوادج سلسلة من أسانيد
لم ترتعش لمرور الأصابع فوق تضاريسها
......
.........
(( تخلد الآن سيدة للبكاء على طلقة في أقاصي المدينة
او قبلة عند أدنى اللهاث ))
وأنا
لم ازل أتهجى رماد المدينة
أسعى لخلع النياشين عن صورة في الجدار
واحلم بامرأة
لا تجادل في النحو او في البلاهة
قد نستعير نهارا نناقش فيه الحروب
ونأوي الى حجج البالغين لتفسير أخطائنا
.... وننــام ..

*********

اسناد الرائي /
كلهم عبروا من سياجك نحو مجاهيلهم
فاتخذهم لقى..
ومشط شعور بنيهم اذا اقبلوا..
حين تعرى يداك
من التمر والأسئلة ..

************
هكذا سيظل الكلام
قرين أسانيدنا المهملة....









أغنية غجرية

اجل .. كنت بين دعاء ابي والسماء صبيا
بكى ، فافتدته النجوم بعشرين ثديا .. ليكبر
، حتى استطالت ذراعاي
اصنع من نجمة ..نجمة
شرفة لانهمارك
وابتعت ليلا .. أعبئه بالشموس
فلما استويت على راحتي
كبرت..
وما عاد لي غير ذكرى صبي
بكى ، فافتدته النجوم
وهاهو يبكي
فيبصرها ترتمي في هوى صبية آخرين










أمـــــــّــي


لم تكوني هناك..
كانت الأمهات يمشطن شعر التراب
ويسعين بين الصفا .. والمرارة
كنت أرى وشم كفيك يوميء لي
فأحث الخطى
واراك نمدين قلبك صوب عيوني
كأن المسافة بيني وبينك
تخبو .. فتنهمر الروح
أنت هناك ..
فمن سيوسدني راحتيك
ويهمس .. امـ ..............اه
لامدن العالم المشتهاة
ولالغة في أنين الرعاة
باتساع عباءتك..
فاحمليني,,
فقد تعبت هذه الأرض من صخبي
وجرحها خيزران الطغاة
.. لم تكوني هناك
فكوني هنا
عند مفترق الدرب
وامنحيني صلاتك
أو هدهديني ..
فقد شاب مني الشراع
وها انذا مبحر
مثل جذع يتيم
في عباب الحياة

















بلاد تضيق بأهلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أحلام الرجال تضيــق

عمر بن الأهتم

بلا أمهات
نكبر ..
ثم نلقي السلام على الشرطي الأخير
ونخترع المراكب
والبحر
والقبطان
نسرج ما تبقى من الخيول الهزيلة
ونبتعث مدنا مهادنة
ومواقيت صلاة
من ساعة معطلة في سماء بغداد
ليس لنا
سوى العمر الذي لا يأتيه النوم
من بين يديه
ولا من خلفه
نحمل ما دسسنا في جيوبنا
مما لم تأكل الهوام
• نار المحبة وجنة أهلينا
• القلوب التي تصل بين ضفتي النهر
• ومروحة سوداء من سعف محترق
نحمل الترنيمة الداكنة
والوتر المر
نحمل الخراب والتراب
نحمل الرصيف المدجج بأسماء الراحلين
نحمل السمك الذي يكتب وصاياه للنهر
نحمل شوارع
تبحث عن أعمدة الكهرباء
وقتيلا يشاطر قاتله الحزن على البلاد
وسماء تتراكض في ساحة المدرسة
نحمل الحروب المتعبة من دماءنا
والرصاص المعبأ
في ذاكرة الأمهات
نحمل جوقة حزينة من المنشدين
ونايا يحشرج في أضلاعه الأنين
نحمل النخل الأشعث
والطين المنكسر
..............
نحمل الخارطة المهترئة
ونمضي
باتجاه كرة أرضية
جميع مافيها ينثر علينا أسماله
,والسؤال المعتق
بلسان عربي مبين
أيها الناجون من بلادكم ..
إلى أين المفر....؟؟؟؟










رحيل

الورقة الساقطة .. قيلولتهم
هكذا أعلن إذعانه ؛
ومضى يقلب السماء غيمة .. غيمة..
عليكم بتأجيل الصحراء أيضا ...
فالبنادق المعدة للصيد ..
تواريخ محشوة بالقتلى
والدليل انهم لم يملأوا جيوب بنيهم
بالوعــــول .....




على مشارف التأويل
_________________________




تأويل المنــــزل

على عتبة الباب
تمسح الشوارع عن قدميك
والوجوه من راسك
وتنتبذ جرحا فتيـــــــا
** اسكت يا ولد
فثمة شوارع تتربص بك
وسماء دافئة تسكن عينيك
** ابعدي البنت عن المدفأة
........
ثمة نخلة يحدودب ظهرها بانتظارك
وجسر يعبره الصبية
فيسقط اسمك في النهر
*** ماذا أحضرت من السوق ..؟؟
ثمة أخطاء
لم ترتكبها بعد
وثمة سرير ما يزال مبعثرا
وأوراق طرية الحبر
ثمة أصدقاء عالقون على شفة الموت
وآخرون لم توقظهم بعد
ثمة أنت هنـــاك
تمدد ساقيك
وتنهر أبناءك
كي ينهضوا
مسرعين إلى المدرسة



تأويل النافذة

الستارة السميكة
والزجاج المظلل
والشبك المعدني... ؟
..........
...........
كيف إذن سأفتح على العالم نافذتي
وأمد رأسي ؟؟؟
كيف سأوميء للعابرين
واصطاد فراشة شاردة؟؟
كيف سيرى جاري
جلبة الأضواء في بيتي
كي يعرف إنني مازلت في الحياة ؟
كيف سأعرف وجهي خلل هذه النوافذ الكسيحة؟
بل كيف سأسرق باقة ضوء
من قمــر .. سلبته النوافذ تاريخه ؟
وإذا ما مت
فكيف لروحي أن تصعد الى بارئها
وهناك ثمة ستارة
وزجاج مظلل
وشبك
وأرواح متزاحمة
وغبار كثيــــــــف ؟







\








أسلاك شائخة

لا ا خطيء تلمس السماء
اعرف أن نومي وديعة الساهرين هناك
لكنني أطلق الفناجين على أسمائهم
وأغفو مثل حجر يبكي
بالعيون التي تتناثر من الرأس
_ رأسي الذي يغص بالحروب ...
يترصد الخراب بمجسات من جمر
, بينما اخلع المرأة الملقاة على عاتقي
وأمضي
لي صدأ أصابعي
وغثياني لامع
_ تصدأ النياشين ,, فالمع النسيان _
إكليل من الصمت
اريق أقفاله على القرى
وانهش البرد بأعضائي
أتوسد الخرائط ... فتنبت على خدي الطرقات
أتوسد يديك
فتنطفئين في رمال الرأس
لذلك صرت اعرفهم :
• رعويون..
يغتسلون بحليب الحكمة
• أ ميون ..
يرقصون مساميرهم على جلد الكلام
• حطابون ليليون
.. بسلالم من ورق
• ...........
اعرفهم ساعة انطفائك في رمال الرأس
فلا اخطيء تلمس السماء
لي نومي الرث
اتسلقه حلما ... حلما
واصعد
لكي اختصر الأرض















الضلّيل

سترين على البعد.. نصف الشراع المهلهل..
هل قلت نصف الشراع....؟
ولم استطع مد أرجوحة في الهواء المعلق بيني وبينك
هل كان بيني وبينك محض هواء.... ؟
رداء من الخز يستر عوراتنا
وتواريخ محمولة في الحقائب
لم انتبه لقبائل شعرك., حين كتبت الليالي على جثة اللوح
كنت وحيدا
وكانوا .....
.................. ؟!!!!
******
تماما كما ينبغي لجدار..
سأحمل هذي المسامير
ابحث عن راحل يتفيؤني
وأقول لأهلي ( سآوي إلى جبل .... )
وأمد عصاي ,, أشير إلى الغيم
أو أتطلع نحو أبي
حين يقتات حكمته
ثم يوزعها في غوايات أبنائه
-تضحكين .... ؟
واضحك ..
في جبتي وطن من بكاء
******
• سوانح من ضمن المتن

-لم أجد في القصيدة متسعا للوشاية
- نصف سيدة تتوعدني بالمحبة ..
-ليس أبي من يعمد حكمته في غوايات أبنائه.. فأبي مات
من قبل أن تدرك الحرب أمي فتختصر الدرب بين
الترقب والموت..
- لا نستطيع التحدث عن كل شيء ,, هكذا يبدأون رسائلهم
من هناك ...
- حين أدركني السحر كان المصلون يفترسون التعاويذ,,
- ......... يا يمــــــــــــه ...

********
استدراك /

لم أكن نائما عندما أذّن الموت في بلدي
.. كنت أسعى لتأجيل قنبلة
تطفئ الروح في جسدي



** ملحوظة : متن القصيدة محذوف لأسباب تتعلق
بضيق ذ ات اللغة .



أميـر البسملات


إلى شادية


فرحين بما آتانا الله ..
نسبل رؤوسنا على خارطة السبات
ونتلو قصار السور
وماتيسرمن الأمنيات
ونجهر بأخطائنا
(( ربنا لا تؤاخذنا .. ))
حين نقسم بخسائرنا
ونفيء بأولادنا إلى جرة الصمت
أولادنا الذين يعقدون ألسنتنا
ويمهرون وجوهنا على شهادة الميلاد
ويمضون الى سحرة اخرين
….
أنت وأنا إذن
أجنحة مؤجلة
وتمائم ذابلة
لذلك ..
اشعر ان العمر قصاصات
وارى عينيك كتابا
ويديك شراعــا
فأبحر طويلا..
في فوضاي .. وفي ذاكرتي المسلوخة
اشعر أن الأرض ضيقة
وأن العصافير التي تختبي في رداءك
يجرحها .. خاتم ارتديه
وباب يئن على ناصية الليل
وسعال يخشخش في صدري
يجرحك انسكاب الليل في المرايا
وحفيف يدي على وبر الفراش
……..
يجرحك قميصي المتغضن
وصلوات الورد في كل الجهات
وتجرحك البوصلة
وأنا أمير البسملات
التي أقشرها على جهاتك الطاغية
احمل رعويتي
وبدائية الخزف المتكسر في صوتي
احمل عصاي
وأقود قطيع انكساراتي
وامضي صوب الشمس المخضبة بمراياك
.. استعير ذاكرة الأمشاط
التي تحدث عن شعرك
وعن عاشق مصاب بك
مصاب.. بأبنائه
الذين يمضون بقمصان آباءهم
إلى سحرة آخرين


بينلوب

مثل ضوء مددت يدي
وتوهمت أني طرقت النوافذ
حتى تورد ظهر الزجاج
مصابيحها نصف مغمضة
وهي غافية...
منذ جيلين.. تغزل أحلامها
بمغازل من ذهب
كي تحوك الرداء الأخير



















تماما كما حدث


ما حدث لاحقا..
انه راح يجمع بقايا المدن المنهكة...!!
خارج السور..
يقفل أعضاءه.. ويفتش عن السماء..
السماء التي لم يرها منذ زمن بعيد؛
فاتهم جسده بالانحناء
وعينيه بالعمى
خارج السور دوما
جناح مؤجل للطيران
وريح تكنس المدن عن الخارطة...
نهار أعرج..
يعتذر بارتباكه عن تكاسل الشمس
وقطيع من الظلال..
يمشط بأقدامه الغبار..
* في المنعطف الأول.
رجل بذاكرة عارية
يثقب جيوب بنطاله بيديه..
يتحسس الماضي
ثم يلوذ بخساراته


*هكذا:
_ سيقلم أظافره ليستغني عن مشطه الادرد
_ يمنح المرايا لحيته في العرض الأول..
_يعترف أن البرد في غرفته .. نساء مؤجلات..
_ يستبدل القميص الناشب في أضلاعه بالماء
...............
..................
............
خارج السور أيضا
مقهى من اجل تكرير الجنون
جامع الأهلة _ بلا أعياد _
يقترح شاحنة بلون آخر
كي يمسك أذيالها بإصبعه اليتيمة
يعبيء رأسه بالقناطر
ويبتكر الأنهار..
$$$$$$$
*في المنعطف الثاني:
امرأة تتشظى في مرايا القتيل
$$$$$$
المنعطفات تتناسل خلفه
كما خطوات الغريب
لم يكن رأسه سوى خوذة محشوة بالقصائد
وما حدث لاحقا.. أنهم وجدوه
يفتش في بقايا المدن المنهكة
المدن التي أخطأتها الريح
عن امرأة ,, وجدار ....









سقــوط






تسقط الريشة
من يد الرسام
أو من كبرياء الديك
يسقط اليوم
من تقويم العانس
تسقط أخر امرأة من آخر وتر في القلب
وربما تساقطت أضراس المغني
فأطلق لحنجرته عنان البكاء
يسقط الأصدقاء القدامى
من جيوب المحبة
تحت ذريعة ضيق الوقت
يسقط الوطن من الخارطة
تحت ذريعة النوم في المخابيء
والاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب
يسقط المطر
بحجة نحول الريح
تسقط الأغاني...
على لسان الأخرس
والشمس في عيون الأعمى
ونحن أيضا
نسقط كل يوم في البئر ذاتها
ولا يتبعنا
سوى صدى أصواتنا
ونحن نهتف
يسقط ال.....
يسقط ال.......
يسقط
يس.....
ي..........



عمان/2004

























ما تساقط من منقار العصفور
********************


إحالات




تكريم

أيها الشاعر.. مت
مت.. فقط
لكي نسمي شارعا يحمل اسمك..

تطاول

سقط على ظهره فجأة..
كان يطيل النظر إلى الأعلى..

أولاد

نلاعبهم.. فيلعبون بنا
وأعمارنا ولائمهم الضاحكة..

كلب

لا تنبح..
فالقمر..
ليس قريبا إلى هذا الحد..


امرأة

تختلس النظر إلى المرآة
وتستغيث بحقيبتها..

باب

افتح الباب..
افتحه..
افتحه على مصراعيه..
احتفالا بموت الريح..

مأتم

شكرا للفقيد
فقد منحنا قلبا ذاكرا..
ولسانا شاكرا..
وخيمة نحشوها بالنميمة..

خريف

التفت إلى صباها
هذه الورقة.. كانت خضراء..

حبل
يحمل رسائل البئر إلى السنبلة
ويحتفي بالغسيل الطازج..
والرقاب الطرية..

وجهات نظر

هو يرى أن قدمي..
تنسل تحت دمه..
وأنا أرى أنه يدوس قدمي..
كلانا يخشى خطوة الآخر..

كرسي
تقصر قوائمه..
فيصير نعشا..

أصدقاء
ضالعون في النسيان..
وأسماؤهم طي الذاكرة..


تمارين صوتية

- الخليفة.. وعشيرته الاقربون.
- صاحب الشرطة.
- المدير العام.. وخادمه.
- الجارة المطلقة.
- سائق الحافلة الذي لم يتناول قهوة الصباح.
- النادل.. مفتول العضلات.
- والولد العاق.
جميعهم.. يسكبون ضجيج حناجرهم..
في آذاننا..
بينما نشغل المجالس..
في رواية ما فعلناه بصاحب الشرطة..
والمدير العام..
و آخرين لا نستطيع ذكر أسمائهم الآن






















فهرس الأخطاء
__________________

احتمالات



وأنا أسكب لكِ القهوة.....
ربّما ارتجفت يدي
وابتلّ طرف الحصير.....
ربمّا دون قصدٍ.
تعثرت بفكرةٍ
وشخصْتُ بطرفي
إلى غيمةٍ في سماءِ البلاد
ربّما أذعنت لحمرةٍ تشوبُ وجهي
في غياب مدنٍ تتراقص في ذاكرة النار
أو في حضرةِ دائنٍ عجولْ....
ربّما تأخرت في النومِ
بعيْد شروقكِ
كي أعيد رسم ملامحي ....
وأشطب من تجاعيد وجهي
نثار أغنيةٍ حزينة
ربّما سرقتُ من المرايا
شهادة زورٍ....
وزرعتُ على جبهتي
بلاغة التبسّم في وجوهِ أخوتي
ربّما أَخذتْني بين دفتــــــي كتاب

نشوةٌ
أو رعدةٌ
وربّما تهاويتُ على يديك
كصرخةٍ.... تهوي في بئر
ربّما....
ربّما....
ذلك لأنني لا أؤثر خيانة الأفعى
اسرحُ بقطيعي في وداعة الذئب
وأترك لهم....
أن يطعنوا الشاة المريضة
بقربانٍ زائفٍ
ويعلنوا بذخ التقوى....
....اقتربي أيتها اللبؤات العليلة
لك في لحمي ....
فراسة المخالب
وشغف الأنياب المسنونة
اقتربي....أيتها الضباع الحزينة
ها أنذا أمّد لك سماط البهجة
وأشعل اسمي.....
.... في ظلام عيونك
اقتربي أيتها الثعالب
المنكوبة بالتخّفي
والتسبيح المرائي....
اقتربي أيتها السحالي المزدراة
وتلمسي وجهي
ببطونك الناعمة.....
لتقتربّ......
تلك الضغائن المندسّةُ في جحورك
ليس لديَّ
سوى خيطٍ من الماءِ
لا يجرح صمتَ البوار
وبقايا عجين
تفطرَّ على أصابع أمي
وصورةِ نهرٍ
يشربُ من السماءِ
ليطمر أصابع حبيبتي
بالطين المقدّس....
ويزرع لها على ضفتيه.... تبغاً
.....
لتعبر ....تلك المفجوعة
بخرافها
وجرائها
ومراياها
.....ربَّما ستهجر صياح الديك
وتمتثـــل لأذان الفجر
ربَّما....ترتجف يداها
حين تسكبُ لي قهوة الصباح
فيبتلُّ طرف الحصير......





17/02/2007























صورة الأب



تلك هي صورة الأب ....
تقبع في غرفة الخزين
بإطارها الذهبي....
وألوانها الحائلة....
أبٌ... بكامل هيئتهِ...
القميص الذي باض عليه الذباب
وربطة العنق....
تغفو تحت ساقِ المروحة العرجاء
ونصف ابتسامةٍ
أتى على ما تبقى منها .... عفن الجدار
غير أنه أب .... بكامل موتهِ
يحمل صولجانه....
وصورته البهيّة
الى مسكنه....
المؤثث بكل ما تنازل عنه أبناؤه البررة
" مدفأة خاوية من الزيت
وبضع قنان فارغةً
وملابس ضاقت بأجسادهم
وكيس من الكتب المدرسية القديمة
هو بكامل هيبته أيضاً
يجلس صامتاً
يسمع خفق نعالهم
وتأوّه زوجاتهم
والماء المنسكب في الحمّام
ويشمٌ ....
ما يصدرُ عن المطبخ
من رائحة الطعام....
أبٌ قديم جّداً
لا يصلح لزيارة ذوي القربى
أو للأنفاق في أولِ الشهر
"ربّما يصلح لشتم ِ ذرّيته ساعة ينام"
ولكنّه على أيّة حالٍ .... أبٌ
يقبع في غرفة الخزين الرطبةِ
يمتدحه أبناؤه في الأعياد
وتذكره زوجته ....
كلّما عضها وجع التذكر....
أبٌ يغزو الظلام مفاصلَه
فيحضن صورته....
ويمــــوت