السبت، 14 نوفمبر 2009

يتوكأ على عماه

( يتوكأ على عماه )
للشاعر العراقي عبود الجابري
ـــــــــــــــــــــ



عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، صدرت للشاعر العراقي عبود الجابري مجموعته الشعرية ( يتوكأ على عماه ) ، وهي مجموعته الثانية بعد ( فهرس الأخطاء ) التي صدرت عام 2007 ، وتتكون المجموعة من عشرة نصوص تتلمس فكرة العمل على توليد البنية عبر لملمة المتناثر من الشظايا أو تشظية الفكرة في مبان عدة للنص يقترحها نص ( غيوم ورقية ) :
هل المطر دم الغيمة الجريحة ؟؟
وماذا لو لم يلتئم جرحها ؟؟
هل كانت ستمطر حتى الموت.. ؟

مثلما تتعامل نصوص مثل ( نزلاء) و ( منازل اليد ) و ( كما لو أنها قصيدة حب ) و ( ساعة معطلة ) مع فرضية الوصول إلى شكل آخر للوجود الإنساني المعطل ، والأسئلة الوجودية التي تموت أجوبتها في ثناياها عبر ( لم يمهله طويلا ) و ( أسباب موجبة ) ، كما تغوص ( تخطيطات حجرية ) في ماهية الحجر :

الثقوب..
أحجار مهاجرة من الجدار

******
الرخام
حجر أدركته النعمة فجأة

مثلما يرسم نص ( الأبواب ) صورا شخصية للباب في حالاته المختلفة
ويأتي ( كتاب القمصان ) ، الذي وضع له الشاعر عنوانا فرعيا هو – مرايا شعرية – ليرسم صورا متناثرة لشخوص ومدن تسكن الذاكرة الفردية منسلة إلى تفاصيل أثرها وانعكاساته على الحاضر ، حيث يقول في قميص العراق :
غفرانك
فقد تكاثرت المرايا
واسودت الوجوه

متخذا من القميص ثيمة أساسية لتناسل الصراعات والقصص الذي ألقى بظلاله على الشكل التاريخي لقراءة الحاضر من خلال قمصان لشخوص مثل أبي ذر الغفاري ، امرؤ ألقيس ، مانديلا ، بغداد ، فلسطين ، الحلاج ، المتنبي ، العراق ، المعري وآخرين .....

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

شاعر عراقي لايؤمن بتباكي الشعر على الوطن / جريدة الراي الأردنية

شاعر عراقي لا يؤمن بتباكي النص على الوطن



حاروه- إبراهيم السواعير- يصدر أواخر هذا الشهر، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ديوان يتوكأ على عماه للعراقي عبود الجابري، وهو الديوان الثاني بعد فهرس الأخطاء الصادر عام ألفين وسبعة عن دار أزمنة؛ وعلى هامش تواجده في الأيام الثقافية العراقية بعمان، كان للرأي مع الجابري هذا اللقاء: شاهدناك ونفر من الشعراء العراقيين تتداولون الغربة ملمحا عاما في أمسيتكم الأخيرة؛ كيف ترى الحنين محرضا على المزيد من النتاج- مهما كانت درجة إبداعه؟! الحنين صفة لازمت العراقيين منذ أن وجدوا، وبالتحديد التغني بمسقط الرأس؛ وتحضرني أسطورة تداولها آباؤنا تشير إلى أن عراقيين هجروا مخافة أن يدركهم الفيضان، وكانت المسافة بين بيتهم الجديد والنهر خمسة عشر كيلو، ولما استقر بهم المقام صاروا يقسمون بغربته! وأنا أقول إن الحنين العراقي يختلف عن تفاصيل الحنين في أي أدب؛ فهو لا يتناول الوطن مغتصبا بل يتحدث عنه هجرة قسرية، وأذكر في هذا السياق الأغنية الفرنسية حرية مشروطة، ومفادها أن العصفور كان يرجو صائده أن يمد في الخيط إن لم يطلق سراحه؛ وأعتقد أن الخيط الأطول الذي يريده العراقيون أو يحبوا أن يمنحوه يدخل فيه أن العودة محتومة؛ لذلك فإنك واجد الأديب أو الفنان العراقي مولعا بصنع الجمال بوصفه معادلا موضوعيا لكثير من تفاصيل البشاعة التي رأوها أو سمعوا بها أمس أو اليوم.
مهما كثرت المرأة لديك، أعني في شعرك، إلا أن انزياحا أو ميلا باتجاه الوطن ؟! أعيب على نفسي أحيانا أن كثيرا من التفاصيل الحميمية في الكتابة عن المرأة تغيب عني قسرا؛ ربما بطريقة غير واعية أحيد بالنص عما هو موجه إليه، إلى تفاصيل لها علاقة بالوطن؛ ولذلك فإن محاولاتي كتابة الغزل الخالص سرعان ما تستحيل قصائد وطنية على غير شعور مني.
* نبقى في الوطن ما السبيل إليه نصا في هذا السيل الطامي من الكتابات؟!
أنا من غير المؤمنين بفكرة التباكي على الوطن؛ سواء كان ذلك في النص الأدبي أو الحوار؛ انطلاقا أن ما قد حصل حصل، وما على المثقف اليوم إلا أن يقوم بتجميل صورة الوطن في عيون الآخرين؛ فبغداد تخضع لاحتلال شئنا أم أبينا، لكنها ما تزال عامرة بأهلها، فلا مجال ليقوم الأدب بالتحريض، فلم تعد سيوف يمكن أن تقارع، ولكني أعتقد أن عليه أن يحيي ما هو موجود في الوطن من جمال، ودعني أقل إنني لم أحس بغربة في الأردن، صحيح أنني أحس بفقدان العراق، فقدان تفاصيل معينة: قسم لي وآخر له علاقة بالجغرافيا، لذلك أعالج كل ذلك بالجمال محرضا على تذوق النص، ومن نافلة القول إنني لا أؤمن بالمباشرة النصية أو النص المتباكي على الوطن.
* لك مرجعية دينية يربطها من يعرف مسقط رأسك بالنجف؛ كيف تتعامل مع المرجعية اللغوية في القرآن؟!
نعم! في كل شارع في النجف يمكنك أن تتعثر برجل دين، فالاهتمام على أعلى مستوياته بالدين في تفاصيل الحياة اليومية هناك في اللغة أو الفقه أو الشعائر، وأذكر أن نزارا قال إن شوارع النجف تلد في كل ساعة خمسين شاعرا، وفيما يخص اتكائي على لغة القرآن فإنه يجيء أحيانا على غير هدي مني؛ فعدا تعلمي القرآن كانت صور نهج البلاغة تغريني بمزيد من الكشف والإعجاب، ولعلك لا تعجب إن قلت لك إن من المستغرب ألا تجد شاعرا أو متحدثا بالشعر في النجف، ولكني مع كل ذلك أحترم، ولا أؤمن بالاستخدام المشوه للغة القرآن في الاستعارة أو التشبيه؛ فأبرز النص على حساب الكتاب الكريم.
* كيف ترى الحراك الثقافي العراقي العراقي أو الأردني العراقي في عمان؟!
أراه سلاحا بحدين، فمنذ عام 1993 فترة وجودي في عمان فإن مثقفين أو أشباه مثقفين كانوا يظهرون ويغيبون، وهم للأسف آذوا الأدب أو الفن العراقي؛ مع أن مثقفين وفنانين على مستوى الشعر والقصة والرواية والفن بعمومه خلقوا حراكا ثقافيا مشتركا، وقد كانت الفترة ما بين 1992 حتى ألفين فترة زاخرة بكل ذلك، وأستطيع القول إن صالات عرض فنية وأمسيات احتضنتها عمان وأثبتت جدارة. أقول إن عمان احتضنتني منذ الأسبوع الأول الذي قدمت إليها فيه، ولم يكن في حقيبتي غير نصوص وقميص، وقد احتضنتني المدينة، فكتبت في صوت الشعب وساعدني الشاعر إبراهيم نصر الله ولم يرفض لي نصا في الملاحق الثقافية أو المجلات العمانية.
تقرر أن تكون النجف عاصمة للثقافة الإسلامية ألفين واثنتي عشر، وتقرر، أيضا، أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية ألفين وثلاثة عشر! ماذا يبعث ذلك في نفسك من رضا أو أمنيات؟! التفاتة جميلة أن يقر كل ذلك؛ فيكفي النجف مرجعياتها وحوزتها العلمية وما تتوافر عليه من قيمة ثقافية كبيرة، ويكفي أن تنجب النجف أعلاما في مجالاتهم من مثل الجواهري وأحمد الصافي النجفي وكثيرون.
يحمل الجابري شهادة جامعية في التمريض، وهو من مواليد العراق 1963، وعضو اتحاد الكتاب العراقيين، والكتاب العرب، وصدر له، أيضا، أراجيز الوحشة.

الأحد، 1 نوفمبر 2009

جاي باريني - لماذا نهتم بالشعر ؟؟؟

لماذا نهتمّ بالشعر؟
___________________________________
جاي باريني
ترجمة : عبود الجابري

- الشعر لم يعد يعني غالبية الناس، فهم يمارسون أعمالهم المعتادة وقلّما يلجأ أحدهم إلى شكسبير، وردزورث، أو فروست. حتى إن المرء ليندهش إن رأى للشعر أي مكان في القرن الحادي والعشرين في ظل تنافس الفضائيات والتلفزيون وأشرطة الفيديو من أجل قمع القصائد.. تلك القصائد التي تتطلب قدراً وافراً من التركيز، وقدراً أوفر من مهارات التحليل، إضافة إلى بعض المعلومات حول تقاليد الشعر.
في القرن التاسع عشر كان الشعراء أمثال سكوت، بايرون، ولونجفيلو، يملكون جمهوراً واسعاً حول العالم، وكانت أعمالهم تحقق مبيعات هائلة، وكانوا رموزاً ثقافية كذلك.
غير أن القّراء في ذلك الوقت كانوا يملكون القليل من الخيارات، وإذا افترضنا -وإن بشكل وهمي- أنّ الناس في الواقع يهتمون بالشعر.. فذلك لأنه يزودهم بالحكايات الموحية والمبتكرة، ويعطيهم الكلمات التي تحاكي مشاعرهم، كما أنهم يستمتعون بالقصص الشعبي أيضاً.. الموسيقى والشعر متلازمان في الإدراك.
في القرن العشرين.. شيء ما أصبح مفقوداً.. فقد أصبح الشعر أكثر صعوبة.. وتلك هي المسألة.. حيث صارت القصائد تعكس تعقيدات الثقافة الحديثة وتفككها العنيف.
إن قصائد شعراء مثل عزرا باوند، ماريان مور، ووالاس ستيفنس، تتطلب الكثير من القارئ، كالمراجع الثقافية والنصوص التي تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، التي لم تعد معروفة بشكل واسع، وعلى سبيل المثال فإنك حين ترغب بقراءة باوند بسهولة، فستلزمك بعض المعلومات عن الشعر اللاتيني والإغريقي.
ذلك النوع من التعلم كان شائعاً بشكل مطلق بين القراء المتعلمين في الماضي، عندما كان الأدب الكلاسيكي حجر الزاوية في ثقافة الطبقتين الراقية والوسطى، ولا ينطبق ذلك على قراء القرن العشرين أو قراء اليوم، حيث أصبحت الثقافة أكثر انفتاحاً، وباتت دراسة الأدب الكلاسيكي محصورة ضمن فئة قليلة من المهتمين... بينما صارت نصوص شعراء الحداثة المعروفين تتطلب الكثير من الهوامش.
مع ذلك.. فإن الشعر يستطيع أن يؤثر في حياة القارئ..، لقد جربت ذلك شخصياً، حيث قرأت وكتبت الشعر لأربعة عقود على الأقل..، كل صباح أبدأ يومي بقراءة كتاب شعري وقت الفطور..، أقرأ قصيدة.. ربما قصيدتين، وأتأمل ما قرأت..، غالباً ما أدون ملاحظات حول ما قرأت في دفتر اليوميات.
قراءة الشعر تعيد تشكيل يومي وتزيد خطواتي توهجاً.. وتمنحني ظلال أحاسيسٍ لم تكن موجودة لديّ سابقاً. أتذكر الأبيات، العبارات التي تطفو على ذاكرتي طوال اليوم.. نتف من الأغاني إن جاز لي القول.
أعتقد وبشكل جازم أن حياتي كانت ستصبح هزيلةً من دون الشعر، موسيقاه ، وحكمته العميقة.
إن من الشعر لحكمة.... ، قبل وقت قصير كنت في المغرب، وحدثني رجل تقي من المسلمين أن النبي محمد قال ذلك في حديثٍ نبوي، وتحدث القرآن عن الشعراء مبيناً أخطارهم..
هذا يذكّرني بأفلاطون الذي أراد أن يحرم جميع الشعراء من جمهوريته الفاضلة، لأنهم كما كان يظن.. كاذبون.. الحقيقة كانت متينة عند أفلاطون، فهي عالم متكامل من الأفكار، والعالم المادي يمثل تلك الصورة المثالية، فهو عالم ناقص على الدوام.
كذلك كان التصوير الفني للطبيعة، في مراحل المثالية المتعددة، لا يحتمل أي تشكيك.
غير أن أفلاطون كانت لديه تحفظات أخرى حول الشعراء في الجمهورية، حيث رأى أنهم ينتزعون تعاطف القراء بطرق لا جدوى منها: إنهم يخلطون أحاسيس الرغبة والغضب والأحاسيس الأخرى، الرغبة والألم والمتعة، الشعر يغذي الأهواء ويرويها بدلا من تجفيفها .
بينما التراتيل ومدح الرجال العظماء هي فقط ما على القراء أن يفعلوه.. فذلك أمر حسن وفق القانون وأسبابه الموجبة ، يقول أفلاطون، الذي لم يوغل نهائياً في الشعر من الناحية الفنية، وإنما اكتفى بلصق الشبهات على المهن.. ولم يفرد للشعر مكاناً في عالمه.
حتى شعراء الفترة الرومانسية المعروفون (بايرون، كوليردج، كيتس، شيلي، وردزورث)، كانوا يعيشون على هامش الحركة الاجتماعية، ولم يحظوا بالتبجيل الى حد كبير. وحديثاً فإن علما مثل ألين غينسبرج كان يسخر من بلدانهم، وقد كان الشعر لديهم نزوعاً نحو التمرد، ولم يكونوا ضيوفاً مرحَّباً بهم على موائد المجتمع.
منذ عهدٍ بعيد كان المعلمون والأساتذة يعدّون الشعر جزءاً أساسياً من المنهج الدراسي، وكان الشعر يحتل موقع الصدارة في دروس الثقافة في قاعات التدريس، وكان الشعراء يرتعون في رياض القرى الأكاديمية في الجامعات.
وكان فروست أول الشعراء الذين لقوا ترحيباً عظيماً في الحرم الجامعي، فقد مارس التدريس فترة طويلة من حياته في كلية أمهرست وأماكن أخرى.. وأمضى العقود الخيرة من حياته سائحاً في البلاد، محاضراً او قارئاً لجمهوره العريض، مؤمناً بشدة بأهمية الشعر كمعنى لتغيير العقل.
في التثقيف بواسطة الشعر ، إحدى أروع مقالاته، يناقش فروست. كيف يكون عمل الشعر أساسياً في تطوير الذكاء، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين رأى أنك إن لم تكن في البيت (الكناية)، فلست بمأمنٍ في أي مكان آخر، ولن تكون مطمئناً بوجود القيم الرمزية ، لأنك لا تعرف إلى أي مدى ستحملك، ومتى ستتحطم . تلك كانت مزاعم كبيرة جداً، وهكذا هم الشعراء، يخلقون المزاعم الكبيرة، ولديهم دائماً قليل من المبالغات.
في الدفاع عن الشعر، يقول شلي : الشعراء هم مشرعو العالم المغيبون ، في صياغة جديدة لعبارة الشاعر جورج أوبين الذي قال: الشعراء هم مشرعو العالم المغيّب .
شخصياً لا أرغب أن يقوم الشعراء بوضع قوانين العالم وأعرافه، لأنهم على أبعد تقدير سيسيئون التصرف في الشؤون العامة، عالم الشعر - إلى حد كبير - عالم غامض من الفكر والأحاسيس، حيث نعيش حياتنا الواقعية، والشعر مهمته أن يسند تلك المملكة الداخلية.
في حديث في جامعة برنستون في العام 1942، وعندما كان العالم ملتهباً، بيّن ستيفنس أن القرن العشرين أصبح أكثر عنفاً جسدياً وروحياً، وبطريقة بليغة عّرف الشعر على أنه العنف الداخلي الذي يحمينا من العنف الخارجي، إنّه الخيال الذي يقاوم قسوة الواقع، ويبدو في المحصلة أننا بحاجة إلى وسيلة لحماية ذواتنا، ودون شّك فإن ذلك هو سبب صياغة الشعر وصدى كلماته التي تعيننا أن نعيش حياتنا .
قسوة الواقع.. تزداد شراسة، ومع ذلك يستمر الشعر بتزويدنا بإمكانيات استيعاب تلك القسوة، من خلال مقاومة القوى الخارجية التي تريد أن تغمر الإنسان وتطمسه. الشعر يمنح العالم صوتاً بطرقٍ كانت مجهولة سابقاً، نحن نصغي للسكون، وصوت الشعر الخافت عند قراءة القصيدة هو ذلك الصوت الذي يقف بضراوة نقيضاً لكل ضجيج المجتمعات أو بشكل أو بآخر ضد أصوات انفجارها.
عادة ما أقوم بتعريف الشعر لطلابي على أنه اللغة التي تلائم خبراتنا، خبراتنا الكاملة، مع النظر في الحسبان إلى الوديان العميقة، القمم، والسهول الفسيحة . إنه يعطي الصوت للأفكار الخافتة، كما قال الشاعر الاسكتلندي الموهوب (الأستير ريد): المرء لا يأمل أن يقوم الشعر بتغيير العالم ، وقد كتب أودن في رثاء ييتس : الشعر لم يفعل شيئاً على الإطلاق .
إلى ذلك الحد.. أجل.. فلم يغير من اقتصاد السوق، ولم يقنع الطغاة بالعدل، كذلك فإنه لم يستطع تحريض الطبقات الدنيا على النزول إلى الشوارع احتجاجا على حرب أو التماساً للعدالة الاقتصادية. إنه يعمل بطريقة أكثر هدوءاً، معيداً تشكيل الفراغ الداخلي لدى القارئ، ويضيف قدراً من الرقة على أفكاره، ويبالغ في تعقيد العالم بين يديه.
اللغة تقوم بتعريفنا ككائنات بشرية. نحن نتكلم.. لذلك نحن موجودون ، لدينا الإمكانية المذهلة للتفاهم بالكلمات، لتكوين الجمل والأوامر، للتعبير عن مشاعرنا، لبدء المناقشات والخروج بالاستنتاجات.
أهمية اللغة الشعرية تكمن في دقتها ومتانتها، وقدرتها على تقريبنا من العالم المادي.
يكتب ايمرسون أن الطبيعة الشفافة للكلمات تدلنا على الاتجاه الذي يدعى روحنا ، واضعاً نصب عينيه ثلاث قواعد ثمينة:.
- الكلمات إشارات لحقائق الطبيعة.
- تفاصيل حقائق الطبيعة، رموز لتفاصيل حقائق الروح.
- الطبيعة هي رمز الروح.
هذه العبارات تشكل برنامجاً للأساليب التي يمكن اعتمادها في الحركة الاستثنائية التي درست الطبيعة وفقاً لرموز الحياة الروحية، وهي مبادئ تستحق التفكير.
في بعض المستويات، تطرح الكلمات حقائق طبيعية (صخرة، نهر، طير، غيمة...)، يكون الإعجاز عند وضعها في عالمها الروحي.. وأعتقد أن الإعجاز يكمن في كيفية وضعها، بشكل بعيدٍ عن التقليدية، في مسارها الروحي، في العالم الباطني العميق الغامض الذي يعيش في كلّ منا، بصرف النظر عن دياناتنا أو معتقداتنا.
أفكر ببيت من جيرارد مانلي هوبكنز : آه.. العقل الذي يحتوي الجبال.. والمنحدرات الشاهقة.. .
العقل يحتوي كل تلك المرتفعات.. والفجاج، والقليلون الذين لم يدركوا ذلك يقفون بخشوع عند سلطان رهبة تلك التضاريس.. تلك هي المملكة الروحية التي يمكن للمرء أن يوجهها في أي اتجاه، الطبيعة أصبحت مؤخراً رمز الروح .
حسب ايمرسون ، الشعر نفسه يجسد تلك الطبيعة. إنه جزء منها، يعكس العالم الباطني، يملؤه بالصور والعبارات، ويثري الأسس في حقيقة حياة الأفراد.
لم أستطع العيش بعيداً عن الشعر، الذي وهبني وجوداً أكثر متانة، أكثر عمقا، وشكل تفكيري، ومنحني روحاً مفعمة بالأمل.. منحني سبلاً للبقاء حيّاً.. ، تلك هي عبارات د.جونسون أرددها من باب التلذّذ.


- * شاعر وناقد أمريكي

كي ريان - شاعرة امريكا المكللة بالفخر

كي ريان .. شاعرة امريكا المكللة بالفخر
____________________________
اعداد وترجمة : عبود الجابري


رغم انها تطلق على نفسها ( المكللة بالفخر ) فأن كي ريان كانت تقوم بتحميص شريحة الخبز لابن اخيها عندما تلقت الأخبار عن موعد الأعلان عن تكريمها
بلقب امير الشعراء في الولايات المتحة الأميركية . بعد ذلك توجب على الشاعرة ذات الاثنين وستين عاما ومدرسة اللغة انجليزية في ( فير فاكس ) أن تعتاد على المسير بخطى متزنة . ( دائما اقوم بقتل الكسل والشرود بركوب الدراجة الهوائية وطهي الطعام ) تقول ذلك وهي تدهن رغيف الخبز بالزبدة ( ذلك يقلب الحياة اليومية راسا على عقب ).الاختزال والبلاغة – مضافا اليهما تدبير الحياة اليومية – هي مفاتيح شعر ريان التي حازت القابا عديدة كان اخرها الجائزة الكبرى في الشعر لعام 2004 وجائزة روث ليلي للشعر التي تبلغ قيمتها مليون دولار.
كي ريان صوت عصري مميز واصيل وغني يتنوع اساليبه الشعرية ) يقول ذلك جيمس بيلنجتون امين مكتبة الكونجرس عشية اختيارها للقب امير شعراء امريكا خلفا للشاعر شارلز سيميك .
ذلك اللقب ترتبت عليه واجبات عديدة اولها قيامها بافتتاح سلسلة نشاطات مكتبة الكونجرس بقراءات شعرية من اعمالها المختلفة . محتفلة بشرف انضمامها الى قافلة الشعراء الذين نالوا اللقب سابقا امثال روبرت فروست ، لويس بوكان ، ويليام كارلوس وتشارلز سيميك .
اخر اعمالها كان مجموعة شعرية بعنوان ( نهر نياغارا ) عام 2006 وهي السادسة ضمن اعمالها وقد تناولها النقاد بالاطراء والتبجيل. ويمتاز شعرهابمحاولة النفاذ الى جوهر الاشياء الكبيرة من خلال احتفائها بالاشياء الصغيرة الواضحة فهي تكتب عن مقابض الابواب والعلاج بالابر الصينية.
ولدت ريان عام 1945 في سان جوس وترعرعت في مدينة صغيرة في سان جوكوين حين كان والدها يعمل في مجال التنقيب عن البترول _ كنت اتمنى ان اعمل شيئا يتضمن سيارة نقل وحبال تحميل _ تقول ريان ، وقد وجدت في قراءاتها الكثير من الشعر المغلف بغموض لم يرق لذائقتها _ لاأحب الوقفة المتكلفة والاعتداد العالي بالذات مثلما لا احب التخفي _ تقول ريان ضاحكة .
وعندما صرت في الثلاثين ادركت انني لا استطيع النخلي عن الشاعر الذي صرته _ وبعد رحلة شهيرة حول البلاد على دراجة هوائية انصب تركيزها على كتابة الشعر و العمل في تدريس اللغة الانجليزية في كلية مارتن كنتفيلد .
لا تكتب ريان بالطريقة التقليدية التي يكتب بهاالآخرون، فهي الوحيدة من بين الشعراء تذكرني باميلي ديكنسون _ يقول ذلك دان غيويا _ الناقد والشاعر الاميركي الشهير ، فكلاهما يكتب القصيدة القصيرة جدا ، القصيدة التي تختزل الكلام ويتسع فيها المعنى ، القصيدة ذات الكثافة ، القصيدة المعبرة عن الحكمة .
لذلك تم اختيار احدى قصائدها ( كيف تغني الطيور )؟ لتزين واجهة المتنزه الرئيسي في مدينة نيويورك ( انها هناك على الجدار الاستنادي الذي يتراكض عليه الاطفال صعودا ونزولا ) تقول ريان.
لم تقرر ريان بعد ماهو مشروعها القادم كاميرة للشعراء ، فهي تحمل افكارا محددة وواضحة عن وظيفة الشعر ، ( على الشعر ان يمنح الاخرين شعورا اكبر بالتحرر ، ويخلصهم من الأوزار ؛ وأتخيل الشعر الجيد يرفع من نسبة الأوكسجين في الهواء ، القصائد فقط تجعل التنفس اكثر سهولة .)










دمو ع التماسيح
______________

التمساح المخلص الوحيد
جفت مآقيه منذ سنوات
فلماذا نكترث لدموع التماسيح..؟

الافكار العظيمة
____________

الأفكار العظيمة
لاتطعم الأفكار الصغيرة
كما يفعل الآباء بأبنائهم
كما شجرة اليوكالبتوس
يسقط منها الورق الميت
والبقايا العقيمة
لذلك يبدو الوقوف
في بستانها دون حراك
امرا مهينا

التاج
_________

المطر الغزير
يجعل الأشجار تهوي
على الجانب الآخر من التلال
تجثو اشجار البلوط العملاقة على الركبتين
لك أن تلمس اعضاءها
وليس لك سلطة في ذلك
وحدها العصافير
تملك حق الطيران الى كل ماهو رفيع الشأن


ثنائيات
________

من ، من يراقب الأجنحة
فأنه يسنطيع أن يستخلص
كيف يتأتى للطيور
أن تقطع المسافات بذلك
الألتصاق الهزيل للأجنحة
، بطريقتها في الأنحناء الى الخلف
، وطريقتها المضحكة في الوقوف
ومن راقب اسراب الطيور على الرمال
سيعتقد انها شويكات صغيرة
نثرتها الرياح
الكثير من الثنائيات تبدو قبيحة
فهل هناك من يستطيع أن يحلم بغراب عريض الجناحين
يستطيع أن يعتزل الفضاء
ويمضي مقيد الساقين حول الأرض ..
ناعقا كعادته ..؟


تكـــــرار
________

حاول أن تسلك الطريق ذاتها
الى المتجر ذاته
مستخدما
حبل التوازن المعلق في الأعلى
ستجد أن كل خطوة لا تشبه الأخرى
المخاطر متباينة على السطوح
يتعثر المرء وحيدا
ولاشيء يحدث
قلة من لديهم الرغبة
واقل منهم الأبطال

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر - جون برادلي

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر
______________________________
جون برادلي
ترجمة عبود الجابري




( ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي ).. بهذه العبارة اعتقدت لورا بوش أنها أغلقت الباب

وللأبد على الشعر السياسي .. فهل أفلحت..؟
السيدة الأولى كانت قد خططت لعقد حلقة دراسية تحت عنوان ( حلقة البيت الأبيض الدراسية
حول الشعر الأمريكي ) بتاريخ 12 شباط 2003 وخصصت تلك الحلقة لمناقشة أشعار (اميلي ديكنسون ، والت ويتمان و لانجستون هيوز )، غير أن آلاف الشعراء المناهضين للحرب
قاموا بكتابة آلاف النصوص التي تندد بالحرب الدائرة في العراق وكان من بينهم الشاعر والمحرر ( سام هامل ) الذي قام بتسليم النصوص الشعرية تلك إلى السيدة الأولى مما تسبب
بإلغاء تلك الحلقة .. وكان ذلك سببا لحشد المئات من المناوئين للحرب من عموم البلاد ،
وطباعة القصائد في موسوعات شعرية ، ولو تجاهلنا اثر الخلاف الذي خلفته فرضية السيدة
بوش في ( أن لامكان للسياسة في الشعر ) فإنها ربما ستتمنى لاحقا لو أنها لم تقم بإلغاء
الحلقة الدراسية . راودتني هذه الفكرة إبان معايشتي للحرب على فيتنام، تلك الحرب غير المبررة ، تسببت بأمواج من الاضطرابات المدنية التي أغنت كثيرا من التجارب في مختلف الفنون ولا سيما الشعر الذي شهد ازدهارا واضحا بعدما كان الكلام السياسي حينذاك يتركز على مواضيع محددة مثل التمييز العرقي والجنسوية ومواضيع البيئة، و من خلال قراءتنا لقصائد الشعراء ألين جنسبرغ ، أدريان ريتش ، غاري سنا يدر ودنيس ليفر توف نتعرف على عدد قليل من شعراء تلك الحقبة ممن أبدعوا أعمالا رائدة في هذا الجانب . فنحن في أمريكا نغير اهاب التاريخ كما تغير الأفعى جلدها مرددين التساؤلات ذاتها عن براءة أمريكا
، وها نحن بسذاجة تامة نعيد طرح التساؤلات ذاتها . أودّ هنا أن انقش مشهد الشعر السياسي وانعكاساته على أفكار العديد من الأمريكيين ، وقبل أن أقوم بذلك أود أن اقر بالفضل ل ( لورا بوش ) لقيامها بإلغاء الحلقة الدراسيـــــة عن الشعر الأمريكي .
الشعر في أمريكا يعيش حياة هامشية وهو يحتاج دائما إلى ما يتيسر من التأييد ، غير أن
المدهش هو التساؤل – هل يحتاج الشعر إلى تأييد من هذا النوع ؟؟- ، هل على الشعر
الأمريكي أن يروّج كشعر سياسي ؟؟ ويمكننا صياغة السؤال كمايلي ( هل على الشعر
الأمريكي أن يخصى سياسيا ..؟؟ ).وإذا ما عدنا لقراءة الشعراء الثلاثة الذين اختارتهم لورا بوش لهذا التكريم فسنجد بكل تأكيد أن كلا منهم يمتلك صوته الخاص المميز ، غير أننا لن نستطيع أن نقوم بتكريـــم أي مبدع أصيل بمعزل عن إبداعه . ولنبدأ باميلي ديكنسون:
يمكن تصنيف اميلي ديكنسون كشاعرة سياسية عند الحديث عن عزلتها الاختيارية ، حيث
لم تكن تغادر منزلها إلا نادرا ، وهناك الكثير من الروايات حول قيامها بمحادثة الزائريــن
عبر شاشة مخصصة لذلك ،ولكن هل تعني العزلة شعرا سياسيا ..؟؟
ثمة قصيدة قصيرة لديكنسون تدهشني دائما :
الأيمان اختراع عظيم
لو كان لدى الناس بصيرة
غير أنّ المجهر
أكثر حكمة عند الضرورة
اميلي ديكنسون تكتب عن المجهر عام 1860 م ؟؟ ذلك احد الأسباب التي جعلتني اطرب
لهذه القصيدة ، ولم يكن ذلك سببا وحيدا لإعجابي بها ، فجرأتها أثناء المناقشات في التعليق
على العلاقة بين الإيمان والعلم ما تزال قائمة كما لو أنها كتبت هذا الأسبوع ، كيف إذن يمكن
لهذه القصيدة أن لاتكون سياسية ؟؟ ولماذا لم تكن تعبر عن أفكارها إلاّ من خلال هذا الموضوع؟؟ اميلي ديكنسون لها باستمرار ريادة الكشف عن موضوع الإيمان من خلال
شعرها ، ومن البديهي أن لا نقرأ هذا النوع من الشعر قراءة سياسية على الرغم من إنّ بعض قصائدها تستثير الإعجاب في الوقت الحاضر ، ويجب أن تقرأ بعيدا عن المناهج
الدراسيــــة .ولكن في قصيدة قصيرة مباشرة جدا ، يبدو عسيرا تجاوز البعد السياسي في قصائد ديكنسون، واعني بالسياسي ذلك الشعر الذي يطرح بشكل مباشر او غير مباشر موضوعا اجتماعيا ، الشعر الذي يفترض أنّ حياة الأفراد ليست بمعزل عن حياة الآخرين ، الشعر السياسي برأيي يعني أن تكون تجارب الأفراد غير منفصلة عن تجارب المجتمع ، ومؤكد أنّ قصيدة ديكنسون قد كشفت عن ذلك ، وان خبرتها في استعمال المجهر في المدرسة قد زودتها بتلك الاستعارة لتكوين نظرتها الشمولية للأشياء ، وان كانت قد أمضت القسط الأكبر من حياتها في ( امهر ست ماساشوستس ) ، فأن ذلك لايعني قطيعة أبدية مع عصرها أو إنها لم تكن تملك ما تقول بشأنه، وهل كانت تجهل التأثير الجمالي لحظر السياسة في الشعر؟؟؟
دعونا نمضي إلى الشاعر الثاني في الحلقة الدراسية، ، إذا أردت أن تقرا شعرا رصينا عن
الحرب فدونك ( والت ويتمان ) ، عليك بمقارنة بواكير شعره التي تمجد البطولة في ( أوراق
العشب ) بتلك التي كتبها ابان عمله مسعفا في الحرب الأهلية، شخصيا أميل إلى قراءة
ديوان ( النفير) ، مقتطفات تبدو كأنها هذيانات محموم :

الوجوه ، الأغاني والمشاهد التي تفوق الوصف
غموض يلف المكان
وبعضهم يموت
الجراحون يعملون
والخدم بحملون المصابيح
رائحة الايثر والدم المتعفن
الضجيج، وزحام الأردية الملطخة بالدماء
الساحة المحاذية تمتليء
وثمة من هم في العراء
بعضهم على الألواح الخشبية أو على النقالات
وآخرون يتصببون عرقا
من تشنجات النزع الأخير
ينشجون ، يبكون أحيانا
الأطباء يطلقون نداءات الأمر والاستغاثة
والأدوات المعدنية الصقيلة
تخطف ضوء المصابيح

معبرة بضراوة ، ليست سياسية؟؟ تخيلوا لو أنها قرأت في قاعات الدراسة ، المكتبات العامة
الكنائس ، خلال الحرب الدائرة الآن ، لكانت أو في في صدارة الأعمال التي ترسم المشهد في العراق ، ماذا قدمت الحرب لمن قاتلوا فيها ومن سقطوا في براثنها دون أي تغيير يذكر منذ عصر ويتمان ؟؟ وهو ( ويتمان ) وان لم يعلن إدانته للحرب علانية هنا ، فان رؤيتـــه الشعرية تجردها من الشرعية ، لئن كانت هذه القصيدة غير سياسية ، أو ليست هي أمريكية ؟
الشاعر الأخير الذي اختارته السيدة بوش في الحلقة الدراسية كان أكثر المتضررين من
مواقفه السياسية، ( لانجستون هيوز ) الذي وصل إلى منصب مدير مؤسسة نشاطات
غير الأمريكيين إبان الحقبة المكارثية ، واعترف أنّ هذا المنصب لوحده لن يجعل من
الشخص شاعرا سياسيا !!! ، وهو الشاعر الذي كتب :
يبدو الآن
أنّ على الناس أن يعلموا
انه من العسير أن اصفع هتلر
لأحمي جون كرو

وهو من قال :

اجل
أقولها بوضوح
أمريكا لم تكن أمريكا بالنسبة لي
ومازلت اكرر القسم
أمريكا ستكون بذرة خالدة
إنها حلم
يسكن أعماق قلبي
وعلينا –نحن البشر –
أن نخلص أرضنا
_ الأفكار ،
النباتات،
الأنهار،
الجبال،
السهول الفسيحة
، وامتداد الولايات الخضر
لنعيد تكوين أمريكا ثانية

بينما نلحظ كثيرا من أسلوب ( ويتمان ) في هذه القصيدة ، فأن هيوز يؤسس صوته الخاص
ويرسخ ثراء الثقافة الافرو- أمريكية من خلال الثناء على القارة الأمريكية والحلم الأمريكي
الموعود ، فهو يقول بكل جرأة :
أمريكا لم تعد أمريكا بالنسبة لي
وانه مازال يحلم بما يجب ان تكون عليه أمريكا ، لو أنّها لم تنكث وعودها لجميع مواطنيها.
الم يكن رائعا لو اتيحت الفرصة لدراسة إبداع هؤلاء الشعراء في حلقة السيدة بوش ؟؟؟
على الأقل للتحقق من المذهب الذي يفترض أن ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي،،
وحقيقة كنت سأنفق بسخاء لشراء تذكرة لحضور المناسبة .


** عن مجلة بميكان الثقافية الالكترونية / العدد 33 / ربيع 2007

جون برادلي
كاتب وناقد أمريكي يعمل في جامعة الينوى حيث يعيش وهو من مناهضي الحرب على العراق.
له كتابان في النقد الأدبي هما:
- الموسيقى الأرضية
- حرب على الكلمات

تشارلز سيميك - ثلاث قصائد

ثلاث قصائد لتشارلز سيميك


ترجمة: عبود الجابري

عيون مثبتة بالدبابيس

كيف يعمل الموت..؟
لا أحد يعلم
في اي يوم طويل سيحط رحاله
الزوجة الوحيدة دائماً
تكوي غسيل الموت
البنات الجميلات
يقمن بأعداد طاولة عشاء الموت
الجيران يلعبون الورق في الفناء الخلفي
أو يكتفون بالجلوس
على العتبات
يحتسون البيرة
وفي غضون ذلك
وفي جزءٍ غريب من المدينة
يبحث الموت عن أحدً
يسعل بشكلٍ رديءٍ
غير أن العنوان مضلّلٌ نوعاً ما
وحتى الموت لم يستطيع الإهتداء اليه
بين تلك الأبواب المقفلة جميعها
... وحيث يشرع المطر بالهطول
في ليلةٍ عاصفة...
هكذا
يموتُ بدون حتى جريدة تغطي رأسه
ودونما قطعة نقدية تمكنه بالأتصّال بمن يغيثه...
متثاقلا يتعرى على مهله...
ويوثق عاريا
الى جهة الموت في السرير...

ضـــد الشتـــاء
الحقيقة داكنة تحت جفنيك...!
فماذا ستفعل بشانها...
الطيور صامتةَُ
وما من أحد تسأُله...
ستمضي طيلة النهار محدّقا بالسماء الرمادية...
وحين تعولُ الريح
سترتجف مثل قشة
وسينمو لك صوف
مثل حملٍ ذليل
منتظرا أن يطاردوك بمجزاتهم الهائلة
الذباب يحوم حول فمٍ مفتوحٍ
وما يلبث أن يهوي
كما الأوراق...
تتبعها الأغصان العارية
بغير جدوى
الشتاءُ.. يحلّ.
مثل بطلٍ أسطوري في جيش مهزوم
بينما تظلّ في مكانك
كاشفا رأسك لنديف الثلج الأول
لحين وصول جارك
الذي يصرخ بك...
أنت أكثر جنوناً من الطقس .. يا شارلي
كتابٌ مليء بالصور
أبي الذي درس " اللاهوت " بالمراسلة
يستعدُ للإمتحان..
وأمي واجمة..
هادئاً جلستُ مع كتاب مليء بالصور
وحين هبط الليل
كانت يداي الباردتان
تلامسان وجوه الراحلين
ملوكا.. وملكات
.. ثمة معطف أسود
يتدلى من سقف غرف النوم العلوية..
ترى.. من وضعه هنالك..؟
الصلبان السريعة
التي خاطتها أمي بمجرزها الطويل
كانت سوداء
كتجاويف رأسي
الصفحات التي قلبتها..
أصدرت صوتاً كحفيف الأجنحة..
الروح طائر.. قالها ذات مرةٍ
في كتابي المليء بالصور
هدير معركة ..
رماح وسيوف تشتبك مثل غابة شتائيةً
بينما قلبي يتشظىّ وينزف
على أغصانها.
............
تشــارلــز سيميــك
- ولد تشارلز سيميك في التاسع من أيار 1938 في بلغراد – يوغسلافيا
- في عام 1953 غادر يوغسلافيا مع والدته ملتحقين بوالده في الولايات المتحدة الأمريكية.
- نشر اول اعماله في عام 1959، في عمر الحادية والعشرين ، انخرط بعدها في القوات المسلحة الأمريكية.
- له اكثر من ستين كتابا تتوزع بين الشعر والنثر والترجمة ، منها:
- ماقاله العشب
- عرسٌ في المخيم
- فندق الأرق
- العالم لا ينتهي
- نال العديد من الجوائز، آخرها اختياره مستشارا للأكاديمية الأمريكية للشعر، وحصوله على لقب امير شعراء امريكا .
- يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية في جامعة نيو هامشاير.

ستيفن ميلهاوسر - طموح القصة القصيرة

طمـــوح القصـــة القصيـــرة

الكاتب ستيفن ميلهاوسر


سـتيفـــن مـيلهــاوســــر
ترجمة: عبود الجابري
القصة القصيرة كم هي متواضعة ومهمشة، كم هي بعيدة عن الغطرسة في أخلاقها، تجلس بهدوءٍ هناك مطرقة كما لو انها تحاول أن لا تُرى، وإذا ما حدث أن لفتت اليها النظار فأنها تفعل ذلك بعجالة بصوت هامس متخوف ومستعدٍ لجميع احتمالات الخذلان.
" انا لست رواية كما ترى، ولا حتى رواية قصيرة فإن كنت تبحث عن الرواية فأنا لست ضالتك "
نادراً ما نرى شكلاً ادبياً يهيمن على شكلٍ آخر، ندرك ذلك ونكتفي بهز رؤوسنا معرفةً. هنا في أمريكا، الحجم هو القوة.
الرواية هي السوق الشامل وهي طائرة الأدب النفاثة. الرواية شرهة، لها رغبة في التهام الكون، القصة القصيرة المعدمة ماذا بوسعها أن تفعل؟
تستطيع أن تحرث بستانها، تمارس التأمل، تروي النباتات في الأصص الموضوعة على النوافذ، تستطيع أن تنخرط في دورة في الواقع الخلاّق، ويمكنها أن تفعل ما تشاء طالما انها لم تغادر موقعها طالما حافظت على هدوءها وتنحت عن وسط الطريق.
بصوتٍ صاخب تبكي الرواية وهي تختال في مسيرها، القصة القصيرة تنحني دائماً للغلاف، الرواية تتملك السهول، تقطع الأشجار، بينما تنتبذ القصة القصيرة.ركناً قصياً لتسحق تحت الأسوار.
من الطبيعي أن تكون هناك مزايا لصغر الحجم، حتى الرواية تحاول تحقيق تلك المزايا، الأشياء الكبيرة تنزع الى السيطرة دون إنتباه للتهذيب والرشاقة، صغر الحجم مملكة للأناقة والجمال، أنه كذلك مملكة للكمال.
الرواية تسعى لاستنزاف عالمٍ عصيٍ على الاستنزاف، لذلك فانها تناضل دون ان تبلغ ذلك، القصة القصيرة تسعى للمغايرة فطرّيا، وعندما تفوتها أشياء عديدة، فأنها تستطيع أن تعطي شكلاً جميلاً لما تمسك به من بقاياها. كذلك فأن القصة القصيرة تطالب بنوعٍ من الكمال الذي تتملص منه الرواية بعد أن قامت بأقصاء جذري للقصة القصيرة.
الرواية عندما تتذكر القصّة، فانها تخاطبها وبنوعٍ من الشهامة:
" انني معجبة بك " تقول ذلك واضعة يدها الخشنة على قلبها.. " انا لا أمزح " " أنتِ كذلك.. أنت كذلك جميلة، مهذبة جداً، من طبقةٍ راقيةٍ ورشيقةٍ أيضاً".
الرواية تحتوي ذاتها بصعوبة، بعد ذلك ما الذي يمكنها فعله..؟ لا شيئ أبداً سوى الكلام، ما تسعى اليه الرواية هو الفخامة.. القوة .
وعميقاً في سريرتها فإنها تزدري القصة القصيرة، التي تكتفي بأصغر المساحات.
الرواية لا تكترث لصرامة القصة القصيرة وزهدها ونكران ذاتها.
الرواية تسعى لإمتلاك المقاطعات، تسعى لإمتلاك العالم كله، بينما الكمال هو عزاء من لا يملكون شيئاً" ، ذلك ما تفعله القصة القصيرة حين تعلن عن ذاتها بتواضع، وتفاخر بمزاياها على استحياء، وتبّدد وقتها تفكيراً بعلاقةٍ نبيلةٍ مع منافستها، تجلس باسترخاءٍ وتطلق العنان للرواية لكي تحتل العالم شيئاً فشيئاً.
الأشياء البّراقة كما تبدو للعيان، يكون فيها اثر من الاختلاس حتما، ذلك الأمر هو الذي رّوض مالدى القصة القصيرة من توق، وفقاً للمزيا التي تتمع بها، ولولا ذلك، لما كان منها الإعتراف العلني بما حولها، بسب من الغريزة الشائكة في حماية الذات والسرّية التي يخلقها الظلم لدى الآخرين في عالمٍ يحكمه غرور الروايات المتتابعة، تعلمت صغيرة الحجم أن تحفر طريقها بدأبٍ لا يمكن اكتشاف مغاليقه، اتخيل القصة القصيرة تضمر في داخلها رغبة.
اتخيلها تخاطب الرواية:
" بوسعك أن تملكي كل شيئٍ... أيّ شيئ..، وجلّ ما أطلبه هو حبةُ رملٍ واحدة.."
فتهزّ الرواية كتفيها غروراً وازدراءً وتلبّي لها تلك الرغبة.
غير ان حبة الرمل تلك كانت طريق الخلاص للقصة القصيرة والمنقذ لها.
استعرتُ هذه العبارة من ويليام بليك"
" أن أرى العالم في حبة رمل "
تخيّلوا ذلك..، العالم في حبة رمل، ذلك يعني أن أي جزء من العالم مهما كان ضئيلاً فإنه يحتوي العالم كله في داخله..، ولنا أن نتخيلها بطريقة أخرى:
اذا ركزت انتباهك في أي جزء مجهول صغير من العالم، فإنك لن تجد في عمقه سوى العالم ذاته. في حبة الرمل تلك ثمة المحيط الذي يرتطم بالشاطئ، والسفن التي تمخر عباب ذلك المحيط، والشمس التي تنعكس على تلك السفن، ثمة الريح الموسمية وملاعق الشاي في " كنساس ". انه بناء كوني كما ترى.
وثمة هناك طموح القصة القصيرة، ذلك الطموح الرهيب الذي يختبئ خلف تلك البشاعات المرائية بدءاً من الجسد، صعوداً باتجاه العالم جميعه.
القصة القصيرة تؤمن بالتحوّل،تؤمن بالقوة الكامنة، بينما تفضل الرواية وضوح المشهد، فهي لا تملك صبر حبة الرمل الوحيدة، التي تلمع ولا يمكن مشاهدتها. الرواية تود ان تجمع كل الأشياء بين احضانها. الشواطئ والقارات، لكنها لن تنجح في ذلك أبداً، فالعالم أكثر اتساعاً من الرواية.. العالم الذي يتشظى في جميع الإتجاهات.
الرواية تقفز دونما هوادة من مكان الى آخر.. جائعة دونما قناعة، يعتريها خوف الوصول الى النهاية.. لأنها حين تتوقف ستكون مجهدةً دون أي أحساس بالأمان... سيهجرها العالم.
القصة القصيرة تركزّ في حبة الرمل خاصتها.. في المعتقدات المفترسة التي كانت ولا تزال، تركز في راحة يدها، حيث ينطوي العالم جميعه، تتطلع في حبة الرمل، كما يتطلع العاشق في وجه حبيبته، إنها تنتظر اللحظة التي تفصح فيها حبة الرمل عن طبيعتها.
في تلك اللحظة من البوح الصوفي، وعندما تنبثق الوردة الكونية من بذرة صغيرة، ستشعر القصة القصيرة بقّوتها، ستغدو أكبر من ذاتها.. ستغدو أكبر حجماً من الرواية.. ستكون شاسعة كما هو العالم.
في ذلك المكان، تقبع جرأة القصة القصيرة، وعدوانيتها المستترة، طريقتها في البوح، صغر حجمها هو مصدر قوتها، الكتلة الثقيلة للرواية تقوم بضربها في مشهد مضحك للضعف.
القصة القصيرة تعتذر دون ذنب، جذلى بقصرها، تتمنى لو انها تكون أقصر، تتمنى لو تكون كلمة واحدة، ولو تمّ لها العثور على تلك الكلمة التي تستطيع وصف المقام، فان الكون جميعه سيتوهج هادراً.
ذلك هو الطموح الشنيع للقصة القصيرة، ذلك هو الإخلاص الأعمق.
تلك هي عظمة الصغر........
ستيفن ميلهاوسر...

قاص وروائي أمريكي له العديد من الأعمال الروائية والقصصية أبرزها " مارتن درسلر" التي حازت جائزة البوليتزر، ورواية " صورة شخصية للعاشق 1977 " و " مملكة مورفيوس 1986 "، وله خمس مجاميع قصصية منها " مملكة صغيرة 1993 " و " الليل المسحور 1999 ".
يعمل أستاذاً في كلية سكيدمور في نيويورك ومنح جائزة الأكاديمية الأمريكية للأدب ومعهد الفنون عن مجمل أعماله.
* عن نيويورك تايمز 3 نوفمبر 2008

هارولد بنتر - ربما يشيخ الموت

هارولد بنتر
ترجمة عبود الجابري


ربما يشيخ الموت
"ربما يشيخ الموت
لكنه يحتفظ بنفوذه
ويقوى على نزع سلاحك بنوره الباهر
ماكر
بحيث لاتعرف أين ينتظرك
ليلوي عزيمتك
ويعريك
كما لو أنك متأهب للقتل
لكنه يسمح لك بترتيب ساعاتك
بينما يقوم بامتصاص رحيق زهرتك الجميلة "
ربما يشيخ الموت
هارولد بنتر
ترجمة عبود الجابري
في عام 1958 كتبت السطور التالية:
(( لايوجد فرق ملموس بين ماهو حقيقي وماهو غير حقيقي ، ولابين ماهو صادق وماهو زائف. اذ ليس ضروريا أن يكون الشيء اما صادقا او زائفا ، بل يمكن أن يكون صادقا وزائفا في الوقت نفسه ))
مازال هذا الكلام في اعتقادي صحيحا ، فيما يتعلق باستكشاف الواقع في الفن ، وما زلت اتبناه من موقعي ككاتب ، اما من موقعي كمواطن فلا يمكنني قبوله ، ذلك لان من واجبي كمواطن أن اسال ماهو الحقيقي ؟ وماهو الزائف ..
تلك هي هي كلمات ( هارولد بنتر ) في متن خطابه الذي كتبه ليذاع عشية تكريمه في الاكاديمية السويدية لمناسبة فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 2005 ، ذلك الخطاب الذي لم يتمكن من القاءه في ذروة صراعه مع سرطان المريء، فتم عرضه متلفزا . وقد تباينت ردود الافعال حول ماهية الخطاب ، حيث رأت الاكاديمية السويدية أن الخطاب ليس مكتوبا لكي يقرأ في حفل تكريم على غرار احتفالات نوبل وأن – هارولد بنتر - مازال يتخذ المنهج ذاته في تغليب السياسي على الأدبي حتى في اشد المناسبات احتفاء بالأدب وأن الخطاب أخذ شكل البيان السياسي بدلا من أن يكون خطابا أدبيا ، بينما رأى فيه العامة لسان حالهم الذي عبر عما كانوا يريدون قوله في مرحلة كانت القوة العسكرية فيصلا في جميع المحافل، وأن الاكاديمية السويدية قد استعادت رشدها وأن لمرة واحدة حين كرمت كاتبا معارضا مثل ( هارولد بنتر ) ، فيما استغل خصوم ( بنتر ) المناسبة للحديث عن أن الاكاديمية ولدوافع بعيدة عن الأدب قامت بمنحه الجائزة لعلها تخفف من غلواءه.
( هارولد بنتر) الذي حقق نجاحا عالميا كواحد من الكتاب الدراميين في مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية ، وقد جنح بنصوصه المسرحية الى استعمال الصمت
لاستدراج التوتر ، الصمت الذي يؤجج مشاركة المتلقي في توقع ما سيحدث ، كذلك
فانه كان يؤمن بان اللغة ليست اداة للتواصل فحسب ، وانما سلاح الذين يخضعون
للتهديد والابتزاز ، وقد كانت مواضيع التهديد والنزاعات العائلية والشك والغيرة ثيمة اساسية في نصوصه التي تذكي الصراع من اجل البقاء في حيوات ابطاله .
يقول ( بنتر ) ( لا اعرف كيفية تأثير الموسيقى في الكتابة ، فهي شديدة الأهمية بالنسبة لي ، كلا النوعين : الجاز والموسيقى الكلاسيكية ، ينتابني شعور بانسيابية الموسيقى اثناء الكتابة الأمر الذي يختلف كليا عن التأثر بها ).
( بنتر ) المولود في حي هاكني اللندني الشعبي لأبوين يهوديين ، ابن الخياط الذي كان أكثر ميلا لأمه بسبب صرامة ابيه الشديدة ، كان قد اجلي مع مجموعة من الصبيان الى قلعة في مقاطعة كورن وول الجنوبية ابان الحرب العالمية الثانية ، وهي ذكرى مؤلمة لاتفارق ذاكرته حيث مشاهد القصف اليومي وحنينه الى ابويه اللذين انتزع من بينهما .
درس في مدرسة هاكني داونز للقواعد وكان الادب الانجليزي محور اهتمامه ولاسيما الشعر، كما قرأ حينذاك اعمال كافكا وهمينغواي ، وقد اضطر لترك الدراسة في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية عام 1949 بسبب معارضته الانخراط في الجيش لأداء الخدمة العسكرية ، الأمر الذي قاده الى محاكمات انتهت بالاكتفاء بفرض غرامة مالية عليه (( كنت سأودع السجن ، وكنت اجلب معي فرشاة اسناني متوقعا أن يحكم علي بالسجن ، غير أن القاضي ابدى قليلا من التعاطف معي واكتفى بتغريمي ثلاثين باوندا ، ربما ستتم دعوتي الى الخدمة في الحرب القادمة ، لكنني لن اذهب ابدا )).
بدأ ( بنتر ) بنشر قصائده باسم مستعار هو ( هارولد بنتا) في مجلة الشعر اللندنية ، وعمل ممثلا ثانويا في الاذاعة البريطانية وقد درس أيضا لفترة قصيرة في المدرسة المركزية للألقاء والدراما ، وانضم الى فرقة شكسبيريانز التي تجولت في ايرلندا مدة عامين 1951- 1952 عارضة اعمالها هناك .
( الغرفة ) 1957 كانت اولى اعماله التي كتبها لفرقة جامعة بريستول وقد فرغ من كتابتها في غضون اربعة ايام ، وكانت ( ألم خفيف ) اولى اعماله الاذاعية التي اذيعت عبر الاذاعة البريطانية عام 1959 تلتها مسرحية ( حفلة عيد الميلاد ) التي عززت شهرته من خلال عاصفة من اللقاءات التي اجريت معه والعروض النقدية التي نشرت حولها آنذاك .ورغم العدائية التي اتسمت بها كتابات النقاد وقتذاك الا ان بنتر استمر في تعزيز شهرته ونجاحاته من خلال العديد من الأعمال المسرحية ابرزها (الناظر ) و ( النادل الغبي ) و ( العودة الى الوطن ) و ( القزم )
و( منظر طبيعي ) .
بعد عقود من النجاح المستمر قال ( بنتر ) عن النقاد ( بشكل عام فأني ارى ان النقاد باقة جميلة من البشر لا أهمية لها ، فنحن لا نحتاج من النقاد أن يخبروا المشاهدين بماذا يفكرون ) .
منذ السبعينات تحول ( بنتر ) الى الاخراج المسرحي وكتابة السيناريو ولعل اشهر اعماله في السيناريو رائعة مارسيل بروست ( البحث عن الزمن الضائع ) عام1977 .
منح ( بنتر ) العديد من الجوائز ابرزها جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي وجائزة البافتا والسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1971
وجائزة الكومنولث .
تزوج ( بنتر ) من الممثلة ( فيفيان ميرجنت ) وعاشا فترة في حي ( موتنج هيل ) الفقير ، ورغم تصريحاته حول عدم قيامه بالكتابة لممثل بعينه الا أن زوجته ( فيفيان ) بدأت بالظهور تدريجيا في اعماله المسرحية ، وبعد انفصالهما تزوج من الكاتبة البريطانية ( ليدي انتونيا فريزر ) وقد توفيت زوجته الأولى عام 1982.
منذ الأنقلاب الذي اطاح بالرئيس التشيلي ( سلفادور الليندي ) عام 1973 بدأ ( بنتر ) العمل في مجال حقوق الانسان معارضا لسياسات الحكومتين الأمريكية والبريطانية ، وكانت اراؤه مثيرة للجدل على الدوام ، وقد اعلن استنكاره لتدخل حلف الناتو في أزمة كوسوفو قائلا أن ذلك( يفاقم المأساة ويزرع الرعب في قلوب الابرياء ويدمر البلاد ( وكان كذلك ضمن اللجنة الدولية التي تشكلت للدفاع عن الرئيس( سلوبودان ميلوسوفيتش ) وضمت في عضويتها المحامي الامريكي ( رامزي كلارك ) ، وكان كذلك من ابرز الكتاب الذين اعلنوا معارضتهم وتنديدهم بالحرب على العراق ساخرا من تسميتها ( حربا وقائية ) ومن الرئيس بوش :
( لقد قال بوش انه لن يدع اخطر انواع السلاح في ايدي اسوا القادة في العالم ، ذلك صحيح ايها الرفيق ، فلم لاتنظر في المرآة لترى نفسك ؟؟ )
عام 2005 اعلن ( بنتر ) اعتزاله الكتابة وتفرغه للعمل السياسي قائلا : لقد قمت بكتابة تسع وعشرين عملا مسرحيا ، ألا يكفي ذلك ؟

دونالد ريفيل - قصائد

قصائد للشاعر الأ مريكي دونالد ريفيل
ترجمة عبود الجابري


شاعر، مترجم وناقد له تسع مجموعات شعرية آخرها ( سارق الأوتار ) عام 2007 ، حاز على جائزة ليونور مارشال ، كما حاز على جائزة مركز القلم الأمريكية للشعر مرتين ، ريفيل ايضا حائز على جائزة جيرترود شتاين ، وجائزة الشيستاك ، وجائزة بوشكارت . وهو عضو في الكثير من المحافل الأدبية الأمريكية والدولية ، كذلك حاز جائزة لوس انجلس تايمز للشعر عام 2005 ، وهو استاذ اللغة الانجليزية في جامعة اوتا ، والمحرر الثقافي لمجلة كولورادو ريفيو.

الحكمـــــة

كان الأمر متأخرا .. لقد منحني غوته يده الرحيمة فاخترت الموت
جون بيتر ايكرمان
ماالذي حدث؟؟
كنت سعيدا بمشقة اعتقادي بذاتي
شجرة مقطوعة ينضح من جرحها سيل من الديدان
وعلى بعد قدمين فقط
ثمة نباتات عطرية
حيث تسقط مياه الشلالات المختلفة الألوان تزهر
علىالعضايا والأوحال المتراكمة
لا
دي
دا
ذلك ما يهمني في الأمر
الوقت ، رجل او امرأة عليهما أن يفتنا بحبي
تلك هي امريكا
تلك هي الهم الأكبر
ماحدث هو أن عيني لا لون لهما
احب الطريقة التي تنبثق فيها الأزهار
من شجرة ميتة
الزجاج المكسور يضج بالحياة ايضا
وانا اتناثر في الوان شظاياه
عام الأنتخابات
الجدول .. انبثاق طيف البحيرة
كالبراري التي تلتف حولنا
صخرية جوفاء
اصوات الطائرات تلك
هي اصوات راكبي الدراجات الغرقى
يقفزون كما تقفز وصيفة العروس
اتريد أن امنحك صوتي ..؟
تستطيع أن تحظى به
عندما تتخيل الصوت الأخضر
يصدره منقار الطائر الطنان على الأخشاب الجافة
والآن .. ثمة طيوركثيرة تتدفق على الجدران
لم استطع أن أتوقع ابدا:
كل يوم ..
_ رغم أنها مشيئة الشعب -
أن أعثر على زهور جديدة ..

الملكوت
فجأة .. تتوهج ازهار نحاسية على الخشب البائد
كنت حاضرا .. أنظر اليها تتوهج ،
وثمة فتاة ترتدي ثوبا كالحا
تقضم تفاحة
وتنظر الى الأسفل باتجاه الوادي
صوب قاطرة تنفث بخارها هناك
اذهب الى الأعالي لألحق بالموت
فيرحب بي
ويريني الطريق
الصراط المضمخ بالنوررانية__
مامن انسان يستعبد انسانا آخر هنا
والنور .. تفاح معلق على الظلال
مباح لمن يشاء
قلت أن الموت فتاة صغيرة
والتفاحة في يدها
هبة الله
التي تقضمها لتلفظ حريتي من بين اسنانها
بينما شعاع الشمس
يحيل الخشب البائد
الى زهور نحاسية
*My Mojave
ال ...ظل
كما نيزك يهوي في الظهيرة
دائرة مكتملة
تسقط في بياض ناقص
تخيل الطريق الأسود
كيف يمتد بياضه في يوم مشمس
استطيع القول
أن الظلال والسراب
يكافآن العالم
يكملان تغييره
دونما تغيير
في الصباح وبعد العاصفة
نستعمل المقشات لتسوية الأمر في الخارج
ثمة شظايا زجاجية علينا جمعهافي الفناء الخلفي
وثمة غبار
مغطى باجنحة شفافة
لم تستطع الحشرات استعمالها اثناء الريح
واصابتها بخيبة أمل
لماذا تبدو الأجنحة مبعثرة في مواضع سقوطها؟؟
ولماذا هي ساكنة جدا
الم يكن بوسعها اختراق الريح ..؟
عاشق غيور
ورغبتك تسلك الطريق ذاته
وارض غيورة ايضا
لاتستطيع الأحتفاظ بالظل وحدها
في الظهيرة
روحي ترغب ان تسلك الطريق الأسود
الذي يبدو ابيضا
فانا غير ذي جدوى
تماما كألأجنحة في العاصفة

*MOJAVE: صحراء شاسعة تمتد بين كاليفورنيا وكولورادو يسكنها ألأمريكان البدائيون .
نقاء

شجرة مغروسة في قلبها
والريح تعول
كارتطام المعادن بالحصى
اين ستحط رحالها
ومامن سكون يمكنها أن تأوي اليه...؟
حين أتحدث عن الغرور
فأن الوردة
هي افضل مكان لموت النحلة
وأفضل ما تستطيعون عمله
هو أن تغرسوا أ رواحكم في الثلج
وحين تنتصبون
كونوا متكأ للآ نبياء
اعتراني ارق شديد ليلة أمس
كنت أفكر
كيف يمكن أن تكوني جبلا
وفي قلبك
تنبت شجرة ....؟
* المصدر ( (Colombia poetry review

توني موريسون - استقراء الماضي

توني موريسون.. استقراء الماضي
عبود الجابري



تحرير: سوزانا روستن
ترجمة: عبود الجابري

"كنت أحثّ الخطى وحيدةً الا من عيونٍ ترافقني في مسيري، عيون تتجاهلني، عيون تتفحص إن كان لي ذيلٌ، حلمة اضافية او أثر سوطٍ على اليتي،عيون تحدق بدهشة لتقرر ان كانت سرتي في المكان الصحيح، وإن كانت ركبتاي تنثيان كقوائم الكلب، تريد ان تتأكد إن كان لساني مشطوراً كلسان الأفعى، وإن كانت اسناني على وشك الالتهام، وإن كنت استطيع القفز من وسط الظلام وأمارس العضّ!!
كنت منكمشة من الداخل وأنا أقطع طريقي وسط تلك العيون المحدقّة اعلم انني لم أعد كما كنت، انني افقد شيئاً ثميناً مع كل خطوة اسيرها، استطيع ان أشعر بالنزف، شيئ ثمين يغادرني، انا كائن يتشظى.
مع الحرف يكون لي نسب وأشعر بشرعيتي، وبدونه أنا عجل يخذله القطيع، سلحفاة دونما ترس، سمك دون مجسات، هناك فقط الظلام حيث ولدت، الظلام في الخارج والداخل أيضاً، ظلام مسنن وله ريش..؟!
هل كانت أمي تعرف ذلك ولم اختارت لي تلك الحياة..؟
عند هذه النقطة فقط، انتاب فلورنس ذلك الشعور بالضآلة، بسبب الربط بين سواد لونها وبين الشيطان.. وبعد ان قاموا بتفحص جسمها شعرت وكأنها كائن غير ادمي تحت نظراتهم.. شيئ ما مات في داخلها ، الأشياء تنظر اليها بتلك العدائية.. الأشجار.. والأشياء جميعها، وكانت تفكر ان كانوا ينظرون اليها بسبب سواد لونها وإن كانوا يرون ذلك امراً شريراً وشيطانياً وأن عليها أن تعاود التفكير بالأمر.
الآن وحين خلت الى نفسها فكرت ان كانوا على حق ؟؟شيء سيء ينمو داخلها، شيء يفتت النفس.
ذلك هو المنعطف الحاسم الذي توقفت عنده " توني موريسون " في روايتها الجديدة " فلورنس" - حيث تبحث الشرطة من مجموعة خاطفي النساء - ، لترد على هاتفها الخلوي" " انه ولدي تقول معتذرة ، انه يمازحني ربما " لتعاود الإتصال به ويجري بينهما حديث سريع حول آخر المستجدات في الإنتخابات الأمريكية.
" سنقضي وقتاً ممتعاً " وأردفت فيما بعد. "سوف نشاهد تغطية أخبار الإنتخابات على شاشة التلفاز مع مجموعة من الأصدقاء، ليلة الثلاثاء".
وعن رأيها فيما لو فاز " باراك أوباما " تقول:
" سيكون ذلك أمراً رائعاً وممتعاً وله تأثير الصدمة كما أظن " موريسون " كانت قد قالت أن بيل كلينتون أوّل رئيس أسود، " لقد قلت ذلك لأنه كان يعامل كرجل أسود وكان.....!! ثم صمتت قائلة " على اية حال، لا أستطيع أن أقول شيئاً، لم يعد للأمر أهمية" ثم عادت لتكمل حديثها عن اوباما.
"لم أتعرف عليه، لقد تعرفت على " هيلاري "..، وكنت احبها وأحترمها لسنوات طويلة،" المرة الأولى التي اتصل فيها اوباما طالباً مساندتها قابلتها بالرفض ولكن " لقد تبادلنا الحديث لوقت قصير" وفي كانون الثاني غيرت رأيها وكتبت له رسالة متقدة تثني فيها على حكمته".
" رحمة " رواية موريسون التي كتبتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، نشرت في بريطانيا، وتم توزيعها في أمريكا مؤخراً، على الرغم من أن موعد النشر قد تم توقيته ليكون بعد اختيار " باراك أوباما " مرشحاً للحزب الديمقراطي، وهو أمر لم يكن مصادفة على الإطلاق".
في " رحمة " تكتب الروائية الحائزة على نوبل ذات السبعة وسبعين عاماً، بشكل مباشر حول " الرقّ " في أمريكا، لأول مرة منذ روايتها " محبوبة" ورغم اختلاف " رحمة " عن بقية رواياتها،- تقع غالبية احداث الرواية في القرن السابع عشر- ، تقول موريسون عن الرواية "انها محاولة للفصل بين الرق والعنصرية، لمعرفة الكيفية التي ترسخ فيها ذلك المفهوم وغرس بتأنٍّ ، من أجل حماية تلك الفئة من الإضطهاد ومصادرة اسس حياتهم المدنية، مثلما هو قرار الشعب الأمريكي بانتخاب امريكي من اصول افريقية رئيساً انه أمر بديع.".
هكذا تدفع الكاتبة الأمريكية من أصول افريقية بوجهة نظرها حول امريكا الخالية من الفساد، او امريكا التي دبّ فيها الفساد عبر التفكير بطريقة عنصرية.
تمتد شهرة موريسون الى عقود أربعة انجزت فيها تسع روايات أوغلت عميقا وبشكل جرئ في التاريخ الأمريكي.
" تشكل كتبي اسئلة بالنسبة لي.. ماذا لو..؟ وماذا تشعر ..؟ او كيف كانت ستبدو لو استبعدنا العنصرية منها..؟ وكيف كانت ستبدو لو تحققت لك المدينة المدينة الفاضلة..؟ كل ما تمنيت تحقيقه..؟ أسئلة تبدو مغالية في طرحها.. وتبحث عمن يطرحها بوضوح، وتعتمد عملية البناء الروائي على كيفية جمعها معا".
كتبت " موريسون" روايتها الأولى العيون الأكثر زرقة- 1970 بينما كانت تعمل طيلة النهار مسؤولة عن تربية اثنين من اولادها في نيويورك، وقد أظهرت فيها براعة ادبية عالية في رصد تحولات الحياة عند الفتيات السود القاصرات اللواتي كن يعشن في مسقط رأسها - لورين- في أوهايو.
" سولا 1973" تتحدث عن صداقة نسائية مستوحاة جزئيا من حياتها كأم وتفاصيل أخرى لها علاقة بنشاط الحركات النسوية التي كانت سائدة انذاك.. بينما.. تتحدث " اغنية سليمان" عن البطولة والإغتراب.. لكنها في " محبوبة " الرواية التي حازت جائزة نوبل، تكتب عن ميراث الرق في القرن العشرين والقوانين التي وضعت من اجل ذلك، وكانت قبل ذلك قد بدأت حياتها بتأليف موسوعة التاريخ الأفرو - أمريكي " الكتاب الأسود".
" محبوبة " التي تحكي قصة جارية تهرب من مالكها السابق الذي يقوم بالبحث عنها، مفضلة أن تقوم بذبح ابنتها على القيام بتسليمها له.
انها رواية الرعب المكتوم،وناهيك عن الوحشية التي تتخلل الأحداث، فإن موريسون تقابلنا بالألم الذي لا يمكن للذاكرة تجاوزه.. الألم الذ يعّد " واحداً من اكثر الأساليب وحشية في التاريخ البشري.. عمل لم يسبق للمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ان لاحظته من قبل " كما تقول " مارغريت اتوود ".- الناشطة في مجال حقوق الاقليات -
"كنّا محكومين بشدة بالثقافة الافرو - أمريكية، فكان بديهياً أن يكون الرق جزءً من تلك الثقافة"، تتحدث موريسون عن نشاتها، علاوة على الضغط الذي لم ترغب بتذكره وانما بكيفية التغلب عليه، لذلك فانها عندما كتبت " محبوبة "، فإن فن النسيان كان جزءً اساسياً في البناء.
وحين لم تفلح محبوبة بالظفر بجائزة الكتاب الدولي، انبرى اكثر من من ( 48 ) ناقداً وكاتباً من بينهم " مايا انجلو " و " اليس ووكر " بالكتابة الى نيويورك تايمز متحدثين عن فضائل ادب موريسون فمنحت على اثرها جائزة " البوليتزر "، موريسون ذاتها تنبهت الى ان هناك مناصرة جماهيرية لما تنجزه الكاتبات السود وبعد أن نالت " نوبل عام 1993 كتبت "بأنها قد حصلت على شهادة للزهو" .
تتفق موريسون مع النقاد الذين يرون أن الحبكة الروائية لديها محصورة في نطاق ضيق شأنها شأن " جويس و دستو يفسكي" حيث كتب جويس عن ايرلندا ودستويفسكي حول روسيا وكانت موريسون تسلط الرأي على اهمية الاعتداد بحرية الرأي بعيداً عن الإستبداد، معبرة عن ذلك بطريقة رقيقة تتجلى فيها انوثتها.
منذ عدة سنوات اشترت منزلاً في برنستون.. في شارع مليء بالأشجار الكثيفة ضمن الحرم الجامعي.. وقد خصصت الطابق العلوي منه لحفيدتيها.. .." أعلم أنه ترف مبالغ فيه غير انني استمتع بذلك انه نقيض ما عشته في طفولتي في " اوهايو ".
ولدت " موريسون " في عام 1931.. واسمها الحقيقي " كولي انتوني " في ردفورد وتوني لقبها الذي اتخذته خلال فترة الدراسة " اما"موريسون " فاتخذته من زوجها السابق..، كان والدها يعمل في مجال لحام المعادن،" حين بدأت الحرب بدأ كل شيء ينفد لدينا، وكانت خلافات والدي كما هي خلافات الفقراء أنذاك".
تقول " موريسون " انها تتمنى ان ترى اولادها بشكل مغاير بعيد عن بشاعة التمييز العنصري التي سادت اعوام الثمانينات" ، وحين سألتها متى شعرت انها قد عوملت وفقاً للون بشرتها ؟ وهل احست يوما انها مهددة بسبب ذلك؟؟ أجابت بعصبية ان السؤال يمكن ان يكون " متى شعرت انك امرأة بيضاء..؟"
غير ان دروس الماضي متباينة لدى والديها " لم يكن أبي يثق بأي شخص ابيض.. لم يكن يسمح لهم بدخول منزلنا.. موظفي التأمين وسواهم.. " ولحسن الحظ فإن أمي كانت على النقيض من ذلك، كانت مختلفة تماما.. وتقابل الناس بناءً على تقييمها لهم كانت أمي تتكلم عن طفولتها في الجنوب حيث غادرت وهي في السادسة بشغف وحميمية وانتماء، بينما يتكلم ابي عن مسقط راسه بطريقة مختلفة بكل معنى الكلمة لكنه رغم ذلك يقوم سنويا بزيارة المكان الذي يكرهه " جورجيا " بينما لم تزر امي " الباما " المكان الذي كانت تحب .. أبداً..
مثل هذه الصراعات كانت تتكرر في رواياتها التي تحفر في مواضيع التنافر الديني والسياسي والعرقي، من خلال فضح الممارسات التي كانت سائدة انذاك، لقد اختارت الدراسة في كلية " هوارد " في " واشنطن ". لأنها رغبت ان تبقى محيطة بالثقافة الفكرية للناس السود وبذلت قصارى جهدها لإستيعاب واكتشاف الأثار التي ترتبت على اندماج تلك المكونات وتسوية الخلاف بينها.


عن الغارديان 1 نوفمبر 2008

باربارا راس

لا يمكنكِ الحصول على كل شيء


باربارا راس
ترجمة : عبود الجابري

غير أنّ لك شجرة التين
باوراقها السميكة مثل كفَي مهرجٍ ملفوفتين بالاخضر
لك لمسٌة على خدك
من اصبع ولد وحيد
في الحادية عشرة من العمر
يوقظك عند الواحدة صباحا
ليخبرك بعودة (( الهامستر ))
لك مواء القطة
والنظرة المعبرة للكلب الأسود
النظرة التي تقول
لو أستطيع
أن أعض كل حزن .. حتى يتوارى
وعندما يحل شهر آب
فسيكون لك كله
آب .. وماهو أكثر غزارة
لك الحب
الذي سيكون – على الأغلب - غامضا
يشبه الرغوة البيضاء
تلك التي تطفو على سطح قدر الفاصولياء
فوق الكلى الحمر
حتّى تدركي انّ الدم
هو توأم الرغوة
لك الجلد
الذي يتمركز بين ساقي الرجل
صلبا جدا
كأنه دمية
لك حياة العقل
الذي يتوهج احيانا
بأثواب الكهنوت
ولايقر بتفاهته ابدا
لايتنازل لرشوة الحارس المتجهم
الذي يخبره أن الطرق ضيقة على الحدود
لك أن تتكلمي لغة غريبة
ربما تعني شيئا بعض الأحيان
لك أن تزوري الشاهدة في المقبرة
هناك حيث بكى ابوك بضراوة
غير انك لن تستطيعي ان تعيدي الميت
لك كلمتا الغفران والنسيان
متشابكتان بالايدي
كما لو انهما تتقاسمان الحياة
تستطيعين ان تشعري بالامتنان
لاختلاق طريقة لتقبيل وجهك
نصف اشتعال
نصف فقدان للذاكرة
ممتنة لموزارت
لانغامه التي تسابق احداها الأخرى
صوب البهجة
لمناشف
تمتص القطرات من على جلدك النظيف
للتوق الأعمق لثمرة العاطفة
لّلعاب
لك ايضا ناصية الحلم
حلم مصر
وخيولها التي تركبينها على الرمال اللاهبة
لك صورة جدك جالسا بجانب سريرك
على الاقل لبرهة واحدة
لك الغيوم والرسائل
واختزال المسافات
والطعام الهندي بصلصته الصفراء
كشروق الشمس
لن تستطيعي ان تعتمدي على القدر
ليختارك خارج الحشد
ولكن هاهي صديقتك تدربك كيف تقفزين عاليا
كيف ترمين بنفسك الى الوراء
فوق العتبة
ريثما تتعرفين على الحب
على الاستسلام اللذيذ
هنا ك حيث نباتات الونكة
_ الحافلات الجاثية
والحقول التي في المخيلة
حقيقية كما في افريقيا
وعندما يخذلك العمر
تستطيعين ان تستحضري
- ذاكرة بجعة سوداء
في بركة طفولتك
- خبز الجاودار
بزبدة الفول السوداني والموز
الذي كانت تعطيك اياه جدتك
بينماتنام بقية العائلة
وهنالك الصوت الذي تستطيعين استحضاره عندما تشائين
كصوت امك
صوت سيهمس دائما
لن يمكنك الحصول على كلّ شيء
فهذا كل شيء
.........
** من مجموعة (( أعضّ كلّ حزن )) – منشورات مطبعة جامعة لويزيانا /1998

باربارا راس
- ولدت عام 1949 في مدينة بدفورد /ولاية ماساشوستس /امريكا
- صدر لها مجموعتان شعريتان:
• تعرية الطقس /1975
• اعضّ كل حزن / 1998 والتي حازت على جائزة والت ويتمان
التي تمنحها الاكاديمية الامريكية للشعر .
- كما صدر لها كتاب عن كوستاريكا ضمن سلسلة ادب الرحلات .
- تعمل في جامعة جورجيا حاليا ..